شرح كتاب التوحيد : الدرس 6 / الشيخ عثمان الخميس

 

شرح كتاب التوحيد : الدرس 6 / الشيخ عثمان الخميس

شرح كتاب التوحيد : الدرس 6 / الشيخ عثمان الخميس

 

أحسن الله إليكم ، قال المصنف رحمه الله تعالى : باب تفسير التوحيد وشهادة ألا إله إلا الله ، وقول الله تعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ، الآية .
 
 نعم ، باب تفسير التوحيد وشهادة ألا إله إلا الله ؛ أي سأفسر لكم ما هو التوحيد وما معنى شهادة ألا إله إلا الله ، أي ما سيقوم به المؤلف رحمه الله تبارك وتعالى ، ثم أتى بقول الله تبارك وتعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب .
 
الذي يدعون ، أي يدعوهم الكفار ، والكفار متفاوتون في معبوداتهم كما ذكرنا أكثر من مرة ، أنه ما ترك شيء ما عبد من دون الله ، حتى الشيطان عبد من دون الله تبارك وتعالى ، فأولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة لا يدخل فيه الذي يدعى من الجمادات كالشجر والحجر والسماوات والنجوم والحيوانات والحشرات وغير ذلك ، وإنما المقصود به الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة هم العقلاء .
 
 العقلاء من البشر أو الملائكة أو الجن الذين يدعون من دون الله تبارك وتعالى ؛ هم لا يرضون بذلك ، لا يرضون بهذا الأمر ، أما إذا كان يرضى أن يدعى من دون الله فلا يدخل أيضا في هذه الآية ، كفرعون و النمرود و غيرهما ممن يدعو إلى عبادة نفسه ، ولكن يريد هنا الصالحين من عباده ، أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة كالأنبياء والصالحين والملائكة وأمثالهم .
 
 فهؤلاء الذين يدعون هم أصلا يبتغون الوسيلة إلى ربهم ، هم يريدون أن يعملوا أعمالاً تقربهم إلى الله ، هم عبيد لله تبارك وتعالى ، ويسألون الله أن يغفر لهم ، فكيف تدعونهم من دون الله تبارك وتعالى ؟
 
 هؤلاء هم يبتغون الوسيلة إلى الله ، الوسيلة هي الوصيلة والسين والصاد تتناوبان غالباً في لغة العرب ، تأتي السين مكان الصاد وتأتي الصاد مكان السين ، والوسيلة هي الوصيلة أي الأمر الذي يوصلهم إلى الله تبارك وتعالى .
 
 أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أي الوصيلة أي الشيء الذي يوصلهم إلى الله ويقربهم إليه سبحانه وتعالى .
 
نعم ، قال رحمه الله تعالى وقوله : وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ، الآية ، نعم إبراهيم عليه الصلاة والسلام أيضاً أتى بهذا التوحيد العظيم ، قال لأبيه وقومه : إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ، لأنهم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره .
 
 لأن الناس ثلاثة : هناك من يوحّد الله وحده ويدعوه وحده ويعبده وحده ، وهناك من يعبد غير الله أيضاً وحده ، وهناك من يعبد الله ويشرك به غيره ، فقوم إبراهيم كانوا يعبدون الله ويعبدون معه غيره ، أي يشركون معه غيره .
 
ولذلك إبراهيم عليه الصلاة والسلام قال : إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ، فإلا هنا إما أن تكون استثناءً وإما أن تكون ابتداء بحيث تكون منقطعة طيب وتكون بمعنى لكن ، لكن الذي فطرني هذا الذي أعبده سبحانه وتعالى ، وذكر عن قوم إبراهيم أنهم كانوا يعبدون الله وكانوا يعبدون الكواكب ، كما هو حال المشركين ، أجعل الألهة إلها واحدا ، هم لا ينكرون ألوهية الله ولكن أدخلوا ألوهية غيره معه سبحانه وتعالى ، فلذلك أنكر الله سبحانه وتعالى عليهم ذلك الأمر .
 
 قال رحمه الله تعالى وقوله : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، الآية . يعني أشركوا معه غيره سبحانه وتعالى .
 
 وهذه قد تدخل في قول الله تبارك وتعالى : أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة ؛ إن كان الأحبار والرهبان صالحين ، وإن كان الأحبار والرهبان غير صالحين فهو داخل في من رضي بعبادة غيره له .
 
وقد جاء عن عدي بن حاتم لما سمع هذه الآية قبل أن يسلم ، وقيل بعد أن أسلم سمعها ، وهي : اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فقال يا رسول الله : ما عبدناهم ، كيف يقول الله ذلك؟ ما عبدناهم ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو لم يكونوا يحلّوا لكم ما حرّم الله فتحلّوه ويحرّموا عليكم ما أحلّ الله فتحرّموه ، قال : نعم ، قال تلك : عبادتهم .
 
 فهؤلاء الأحبار والرهبان منهم الصالحون كما قال الله تبارك وتعالى : إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع ، لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا . 
 
هؤلاء كانوا إذا سمعوا ما أُنزل إلى الرسول ترى أعيُنهم تفيض من الدمع ، فإذا كانوا صالحين ولم يدعوا إلى عبادة أنفسهم فهؤلاء يدخلون في : يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ، وإذا كانوا راضين بذلك وهم أكثرهم ؛ فهؤلاء والعياذ بالله مشاركون لهم في ذلك وهم ممن دعا إلى عبادة نفسه من دون الله تبارك وتعالى .
 
 نعم قال رحمه الله تعالى وقوله : ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادًا يحبونهم كحب الله ، هذا من الشرك ، شرك المحبة ، إنه لا يجب أن يُتخذ أحد ويُحب كمحبة الله ، وهذه لها تفسيران عند أهل العلم : يحبونهم كحب الله أي كالحب الذي يجب أن يُصرف إلى الله ، أو يحبونهم ويحبون الله ولكن يشركون في هذا الحب .
 
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ثلاث من كنا فيه وجد بهن حلاوة الإيمان : أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، فلا يجوز أن يشرك الإنسان في المحبة ؛ قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره .
 
 فالقصد أنه يجب أن تكون محبة الله تبارك وتعالى فوق كل محبة ؛ حتى محبة الرسول صلى الله عليه وسلم تكون تابعة لمحبة الله تبارك وتعالى ، لأنه لا يحب لذاته إلا الله جل وعلا ، وأما غير الله تبارك وتعالى فيحب لغيره ، الذي يحبه لذاته هو الله وحده سبحانه و تعالى .
 
نعم أحسن الله إليكم ، قال رحمه الله تعالى : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قال لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله و دمه و حسابه على الله عز وجل . و شرح هذه الترجمة ما بعدها من الأبواب .
 
 نعم ، من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرُمَ دمه وماله ، يعني صار مسلماً ، والمسلم يحرم دمه ويحرم ماله ، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ، نعم وإن كان يعني بعضهم يقول : قد يكون منافقاً نحن نعامل الناس بما يظهرون وأمرهم إلى الله تبارك وتعالى .
 
 نعم أحسن الله إليكم ، فيه مسائل :
 
ـ الأولى وهي من أهمها وهو تفسير التوحيد وتفسير الشهادة وبينها بأمور واضحة منها آية الإسراء ، بين فيها الرد على المشركين الذين يدعون الصالحين ، ففيها بيان أن هذا هو الشرك الأكبر .
 
ـ ومنها آية براءة بين فيها أن أهل الكتاب اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، وبين أنهم لم يأمروا إلا بأن يعبدوا إلها واحدا ، مع أن تفسيرها الذي لا إشكال فيه طاعة العلماء والعباد في المعصية لا دعاؤهم إياهم .
 
ـ ومنها قول الخليل عليه السلام للكفار : إنني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني ، الآية ، فاستثنى من المعبودين ربه ، وذكر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالاة هي تفسير شهادة أن لا إله إلا الله ، فقال : و جعلها كلمة بقية في عقبه لعلهم يرجعون .
 
ـ ومنها آية البقرة في الكفار الذين قال الله فيهم : وما هم بخارجين من النار ، ذكر أنهم يحبون أندادهم كحب الله ، فدل على أنهم يحبون الله حباً عظيماً ولم يدخلهم في الإسلام . فكيف بمن أحب الند حباً أكبر من حب الله ، وكيف بمن لم يحب إلا الند وحده ولم يحب الله . 
 
ـ ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبَدُ من دون الله حرمَ مالُه ودمُه وحسابُه على الله ، وهذا من أعظم ما يُبين معنى لا إله إلا الله ، فإنه لم يجعل التلفُّظ بها عاصماً للدم والمال ، بل ولا معرفة معناها مع لفظها ، بل ولا الإقرار بذلك ، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له ، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله ، فإن شك أو توقف لم يحرم ماله ولا دمه ، فيا لها من مسألة ما أعظمها وأجلها ويا له من بيان ما أوضحه وحجة ما أقطعها للمنازع .
 

يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال