شرح كتاب التوحيد : الدرس 5 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم ، قال المصنف رحمه الله تعالى : باب الدعاء إلى شهادة ألا إله إلا الله ، وقوله تعالى : قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، الآية .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذا إلى اليمن ، قال له : إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ، فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله ، وفي رواية إلى أن يوحدوا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم ، فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب . أخرجاه .
نعم ، الدعاء إلى شهادة ألا إله إلا الله وهي مبذولة لكل أحد ؛ يجب أن تُبذل لكل أحد ، لأن كل الناس مدعوون إلى الدخول في دين الله تبارك وتعالى ، ولذا النبي صلى الله عليه وسلم بُعِث إلى الناس كافة .
والأمة كما قال أهل العلم أمتان : أمة الدعوة وأمة الاستجابة ، والناس كلهم الذين يعيشون على وجه الأرض اليوم هم من أمة الدعوة ؛ يعني توجه لهم الدعوة ، يدعون إلى شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، كل الناس بغض النظر عن انتماءاتهم وأديانهم وسكناهم وغير ذلك .
كلهم يسمون أمة الدعوة ؛ أي من توجه لهم الدعوة . من قال لا إله إلا الله ، شهد أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسوله قيل له هذا من أمة الاستجابة ، صار من أمة الاستجابة .
فكل الناس يجب أن يدعو إلى دين الله ، ولا يجوز لنا أن نقصر في هذا الجانب ، وهو الدعوة إلى دين الله تبارك وتعالى ، إما بأنفسنا أن نذهب وندعوا إلى الله إن كنا أهل علم ؛ عندنا من العلم ما يكفي وعندنا القدرة المادية والجسدية وغير ذلك ، بحيث ندعوا إلى الله تبارك وتعالى ـ يجب علينا أن ندعوا إلى الله تبارك وتعالى ـ وإلا أن نتكفل بمن يدعوا ككفالة الدعاة مثلاً ، أو طباعة الكتب أو المواقع ، أو غير ذلك من الأمور .
بحيث أن الإنسان يشارك في الدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، كما قال الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ، وسبحان الله وما أنا من المشركين .
قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة ، أهم شيء أنا ومن اتبعني ، أن نكون كذلك على بصيرة ، فنحن كلنا مطالبون بالدعوة إلى الله تبارك وتعالى ، وأن تكون دعوتنا على بصيرة .
حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن هذا في السنة العاشرة من الهجرة ؛ بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا بن جبل وأبا موسى الأشعري إلى اليمن يدعوانهم إلى عبادة الله تبارك وتعالى .
قال : إنك تأتي قوما أهل كتاب لينبهه إلى أن هؤلاء كتابيين عندهم علم ليسوا كالمشركين الوثنيين ، هؤلاء عندهم كتاب ، عندهم علم ، ولذا أرسل النبي صلى الله عليه وسلم معاذا بن جبل وأبا موسى الأشعري لأنهما من علماء الصحابة رضي الله عنهما ، وهكذا الذي يدعو إلى الله تبارك وتعالى لا بُد أن يتسلح بالعلم .
قال : فليكن أول ما تدعوهم شهادة ألا إله إلا الله ، أول شيء وهو التوحيد ، أهم من كل شيء أن يوحّدوا الله تبارك وتعالى ، فإن هم أطاعوك ؛ يعني قبلوا هذه الشهادة وقالوها ودخلوا في دين الله تبارك وتعالى ، بعد ذلك أخبرهم عما هو أقل أهمية من التوحيد كالصلاة والزكاة والحج والصوم ، وهكذا سائر شرائع الإسلام .
ولكن أن يبدأ بالتوحيد ، ادعوهم إلى أن يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، قال : فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، ثم قال : أخبرهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم . وهذه الكلمة استدل بها أهل العلم أو بعض أهل العلم على أن الزكاة يمكن أن تصرف إلى صنف واحد ، لأن الزكاة كما هو معلوم إلى ثمانية أصناف ، إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله و ابن السبيل .
ثمانية أصناف تعطى لهم الزكاة ، والأفضل لمن كانت زكاته كثيرة أن يقسمها على الأصناف الثمانية إن وجدوا ، ولا ينبغي أن يصرفها على صنف واحد ، كما هو مذهب الشافعي رحمه الله تعالى .
وذهب الجمهور أنه يجوز أن يُعطيها صنفاً واحداً كما في هذا الحديث ، يقول : تُؤخذ من أغنيائهم وتُرد على فقرائهم ، لم يذكر إلا صنفاً واحدا وهم الفقراء ويدخل فيهم المساكين .
فالقصد أنه ذكر صنفاً واحداً تُأخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم ، ومنها أيضاً أن الزكاة الأصل ألا تخرج من البلد ، بل هي من أغنياء البلد إلى فقراء البلد هذا هو الأصل ، ويجوز إخراجها عن البلد لحاجة : مثلا يكون في ضائقة مالية في مكان معين ، أو لضرورة ، أو يكون له أقارب هناك يُريد أن يبرهم بهذه الزكاة ، أو يكون أهل البلد الذي فيه الأغنياء اكتفوا ولا يجدون أحدا يأخذ الزكاة فممكن أن ترسل بعد ذلك إلى غيرها من بلاد الإسلام .
قال فإن هم أطاعوك فإياك وكرائم أموالهم ، يعني الزكاة خاصة نتكلم عن زكاة الزروع والثمار ، زكاة البهائم اللي هي الأنعام ، قال : إياك وكرائم أموالهم ، يعني لا تأخذ منهم أحسن أموالهم ، يأخذ من الوسط لا يظلم الفقير ولا يظلم الغني .
قال : واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب ، يقول ابن تيمية رحمة الله ولو كان كافراً ، لأنه يقدر على أهل الكتاب قال لا تظلمهم وإن كانوا غير مسلمين ، لأن الظلم محرم حتى مع غير المسلمين .
نعم أحسن الله إليكم ، قال رحمه الله تعالى : و لهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها ، فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجوا أن يعطاها ، فقال : أين علي بن أبي طالب ؟ فقيل : هو يشتكي عينيه ، فأرسلوا إليه فأتي به ، فبسق في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع ، فأعطاه الراية فقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعوهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم .
يدوكون أي يخوضون ، نعم هذا الحديث حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر لأعطينا الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ، يفتح الله على يديه ، فأصبح الناس يدوكونها يعني يفكرون ويتشاورون ، يتدارسون ويتكلمون في هذا الموضوع ، من هذا الرجل الذي يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ؟ فشهد له بالإيمان وشهد له بالولاية ، فأصبح الناس يدوكونها أي الجميع يتكلمون من سيعطى الراية ؟
غير أن آخرين يتمنون هذه الراية ، حتى ذكر عن عمر رضي الله قال ما تمنيت الإمارة إلا في ذلك اليوم ، لأنها فيها تزكية لهذا الرجل وبيان مكانته عند الله تبارك وتعالى ، أن الله يحبه ورسوله يحبه ، وأنه هو أيضا يحب الله ويحب رسوله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لما أصبح الناس : أين علي ؟ يعني علي بن أبي طالب ، وكان علي قد تخلف لرمد أصاب عينيه ، فقالوا : يشتكي عينيه ، قال : اتوني به ، فأتوا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبسق في عينيه ، وفي رواية فتفل في عينيه صلى الله عليه وسلم فبرئ .
وهذه كرامة للنبي صلى الله عليه وسلم وآية ، فإنه رجل مبارك صلوات ربي وسلامه عليه ، فبرئ علي رضي الله كأنه لم يصب بشيء أبداً ، ثم أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم الراية ، فقال على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعوهم إلى الإسلام ، وفي رواية أن عليا رضي الله قال : والله لأقاتلنهم حتى يفتح الله لي ، قال : على رسلك ، اهدأ ، انزل بساحتهم ثم ادعوهم إلى لا إله إلا الله وهذا يبين رحمة النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه ليس المقصود القتال للقتال ، وإنما المقصود دعوة الناس إلى الإسلام ، فإذا دخلوا في الإسلام لا نحتاج إلى قتالهم .
ولذا قال أهل العلم إن الجهاد الأصل فيه أنه وسيلة وليس غاية ، هو وسيلة ، وسيلة لتحقيق غاية وهي عبادة الله وحده سبحانه وتعالى ، وفي حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له إذا حاصرت أهل حصن فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، فإن هم أجابوك فأمرهم بالهجرة ، فإن هم أبوا فهم كأعراب المسلمين ليس لهم في الفيئ حق ، قال فإن هم أبوا يعني الشهادة فادعهم إلى الجزية فإن هم أطاعوك فكف عنهم فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم .
فالقتال إذن هو وسيلة لامتناعهم عن الدخول في الإسلام ، وامتناعهم عن دفع الجزية ، فعند ذلك يكون القتال ، لكن ليس مقصداً في حد ذاته ، وهنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول لعلي على رسلك ، يعني أول شيء ادعوهم إلى الإسلام ، هذا الذي نريد أن يدخلوا في دين الله تبارك وتعالى ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تبارك وتعالى ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم .
حمر النعم هي الإبل الحمراء التي كان العرب يحبونها ، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول : هذه خير لك من حمر النعم ، والله المستعان .
أحسن الله إليكم فيه مسائل :
ـ الأولى أن الدعوة إلى الله طريق من اتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ـ الثانية التنبيه على الإخلاص لأن كثيرا من الناس لو دعا إلى الحق فهو يدعوا إلى نفسه .
ـ الثالثة أن البصيرة من الفرائض .
ـ الرابعة من دلائل حسن التوحيد كونه تنزيه لله تعالى عن المسبة .
ـ الخامسة أن من قبح الشرك كونه مسبة لله .
ـ السادسة وهي من أهمها إبعاد المسلم عن المشركين لا يصير منهم ولو لم يشرك .
ـ السابعة كون التوحيد أول واجب .
ـ الثامنة أنه يبدأ به قبل كل شيء حتى الصلاة .
ـ التاسعة أن معنى أن يوحدوا الله معنى شهادة ألا إله إلا الله .
ـ العاشرة أن الإنسان قد يكون من أهل الكتاب وهو لا يعرفها أو يعرفها ولا يعمل بها .
ـ الحادية عشرة التنبيه على التعليم بالتدريج .
ـ الثانية عشرة البداية بالأهم فالأهم .
ـ الثالثة عشرة مصرف الزكاة .
ـ الرابعة عشرة كشف العالم الشبهة عن المتعلم .
ـ الخامسة عشرة النهي عن كرائم الأموال .
ـ السادسة عشرة اتقاء دعوة المظلوم .
ـ السابعة عشرة الإخبار بأنها لا تحجب .
ـ الثامنة عشرة من أدلة التوحيد ما جرا على سيد الرسل وسادات الأولياء من المشقة والجوع والوباء .
ـ التاسعة عشرة قوله لأعطين الراية إلى آخره علم من أعلام النبوة .
ـ العشرون تفلوه في عينيه علم من أعلامها أيضا .
ـ الحادية والعشرون فضيلة علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
ـ الثانية والعشرون فضل الصحابة في دوكهم تلك الليلة وشغلهم عن بشارة الفتح .
ـ الثالثة والعشرون الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسعى لها ومنعها عن من سعى .
ـ الرابعة والعشرون الأدب في قوله على رسلك .
ـ الخامسة والعشرون الدعوة إلى الإسلام قبل القتال .
ـ السادسة والعشرون أنه مشروع لمن دعوا قبل ذلك وقوتلوا .
ـ السابعة والعشرون الدعوة بالحكمة لقوله أخبرهم بما يجب عليهم .
ـ الثامنة والعشرون المعرفة بحق الله في الإسلام .
ـ التاسعة والعشرون ثواب من اهتدى على يديه رجل واحد .
ـ الثلاثون الحلف على الفتيا .
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة