شرح كتاب التوحيد : الدرس 30 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم قال المصنف رحمه الله تعالى : باب ما جاء في الاستسقاء بالأنواء وقول الله تعالى: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} .
ما جاء في الاستسقاء بالأنواء أي حكمه ، حكم الاستسقاء بالأنواء يعني يطلبون السقيا من النجوم ، يأتينا إن شاء الله حديث زيد بن خالد الجهني في تفسير هذا العنوان ، قال : و قوله تعالى : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ .
و المقصود بالرزق هنا الشكر ، لأن الله تبارك و تعالى ذكر إنعامه على الناس ثم قال : وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ، يعني هذا الرزق الذي رزقكم الله إياه بدل أن تشكروه تكذبون بالله ، أهكذا يكون شكر النعم .
فالمعنى : و تجعلون شكركم تكذيبا ، يعني بدل أن تشكروا تكذبون .
قال رحمه الله تعالى : وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن : الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" . وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب" رواه مسلم.
أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن ، في أمتي يقصد أمة الاستجابة ، يعني في المسلمين ، لما يقول في أمتي قد تكون أمة الدعوة و قد تكون أمة الاستجابة ، هنا أمة الاستجابة ، يعني يريد المسلمين صلى الله عليه و سلم .
يقول فيها أربع أشياء تضل فيها لا يتركونهن ، فذكرها صلى الله عليه و سلم فقال : الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، الفخر بالأحساب أن الإنسان يفتخر على الناس بحسبه و نسبه ؛ أنا فلان بن فلان على سبيل الفخر و التصغير للآخرين إني أفضل منكم ، و الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه .
هذه الأنساب لا تنفع عند الله تبارك و تعالى ، لا أنساب بينهم يومئذ ، ما تنفع هذه الأنساب ، و مر بنا حديث النبي صلى الله عليه و سلم قال : يا عباس عم رسول الله صلى الله عليه و سلم اشتري نفسك لا أغني عنك من الله شيئا ، يا صفية عمة رسول الله ﷺ، لا أغني عنكِ من الله شيئا. ويا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئتِ، لا أغني عنك من الله شيئا .
فهذه الأحساب لا تنفع الناس شيئا ، لا بأس أن الإنسان يذكر حسبه فهذا لا بأس به ، كما أن النبي صلى الله عليه و سلم جاءه أناس من كنانة فقالوا أنت منا ، قالوا له أنت من كندة ، قالوا له أنت منا يا رسول الله ، لأن أخوال هاشم جد النبي صلى الله عليه و سلم من كندة ، فقالوا أنت منا ، فقال : إنا لا ننتفي من أبينا و لا ننتسب إلى أمنا ، أنا لا أتبع أمي ، و لا أنتفي من أبي ، أنا من كنانة من قريش لست من كندة .
كون الإنسان يذكر نسبه لا بأس بذلك ، لكن لا يقوله على سبيل الفخر ، لأنه ليس له يد في نسبه ، ولد هكذا ، و في الأمر الآخر قال : الطعن في الأنساب .
و الطعن في الأنساب نوعان : إما أن يكون على سبيل الاستهزاء والتحقير ، يطعن في أنسابهم أي يحقرهم و يستهزء بهم ، أو أنهم يكذبهم في دعواهم للانتساب .
و الأصل كما قال الإمام مالك : الناس مؤتمنون على أنسابهم ، إذا قال شخص أنا أنتسب إلى القبيلة الفلانية الأصل أنه صادق ؛ مؤتمن على نسبه ، لأنه من انتسب إلى غير أبيه فقد كفر ، و من انتسب إلى غير قبيلته فقد كفر ، المسألة خطيرة جدا ، لذلك يؤتمن الإنسان على نسبه ؛ إذا قال أنا ابن فلان ، أنا من القبيلة الفلانية الأصل أنه يصدق في هذا .
إلا إذا طالب بأشياء ، جاء و قال أنا من العائلة الفلانية أعطوني الميراث أنا من العصبة ، هنا يطلب شيئا ، أنا من القبيلة الفلانية خاصة من ينتسبون إلى قبيلة بني هاشم مثلا ، أنا من بني هاشم أعطوني الخمس مثلا ، ليس الخمس الذي يأخذونه الآن و إنما خمس الجهاد ، يقول أعطوني الخمس هنا يقال له أثبت نسبك .
لكن الطعن في أنساب الناس و هو السخر و الاستهزاء والتحقير بأنسابهم ، يقول أنت بن فلان أنت من القبيلة الفلانية يقولها على سبيل التصغير هذا هو الطعن في الأنساب الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم . أو أن يكذب في دعواه فيما انتسب إليه .
قال : و الاستسقاء بالنجوم يعني لا يزال في أمتي هذا وسيبقى الاستسقاء بالنجوم ، أي يطلبون السقيا من النجوم أو من منازل النجوم ، قال : والنياحة ، ستبقى هذه النياحة أيضا ، و تكثر عند النساء و قد تكون من الرجال و لكنها في الغالب تكون من النساء .
و جاء في الحديث : النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب ، و العياذ بالله .
أحسن الله إليكم قال رحمه الله : ولهما عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: "صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل، فلما انصرف أقبل على الناس فقال: هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب. وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب".
ولهما من حديث ابن عباس بمعناه، وفيه:"قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله هذه الآيات {فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ أََفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ} ".
هذا حديث زيد بن خالد الجهني و فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم لما أصبح و كان البارحة قد نزل عليهم المطر ، قال أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله و رسوله أعلم ، قال : من قال مطرنا بفضل الله و رحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب ، و من قال : مطرنا بنوء كذا و كذا فهذا كافر بي مؤمن بالكوكب .
لأن هذه الكواكب لا تنزل المطر و ليست هي أسبابا لنزول المطر ، مواقع النجوم لا هي تنزل المطر ولا هي سبب للمطر ، و لذلك حكم بكفر من قال ذلك ، و قوله : على إثر سماء يعني على إثر مطر ، كما في الحديث : لما وضع النبي صلى الله عليه و سلم يده في الصبرة فنالت أصابعه بللا فقال: ما هذا يا صاحب الطعام؟ قال: أصابته السماء ، يعني المطر ، و تقول العرب كل ما علاك فهو سماء ، و ننزل من السماء ماء ، و المقصود السحاب ، وكل ما علاك فهو سماء .
فقوله على إثر سماء أي على إثر مطر ، لأنه ينزل من السماء ، قال : و لهما من حديث ابن عباس ، وفيه قال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا، فأنزل الله : فلا أقسم بمواقع النجوم ، و اختلف أهل العلم في مواقع النجوم على قولين : القول الأول : أن مواقع النجوم التي هي يعتقد فيها الناس ، أن النجم إذا كان في الموقع الفلاني سيحصل كذا و كذا ، و النجم إذا كان في الموقع سيحصل كذا و كذا .
أو مواقع النجوم : نجوم القرآن ، لأن القرآن نزل منجما أي مفرقا ، و هذا ألصق بالآية : فلا أقسم بمواقع النجوم و إنه لقسم لو تعلمون عظيم ، إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون ، قال مواقع النجوم أي مواقع نجوم القرآن ، لأنه نزل منجما ، و كلا الأمرين صحيح إن شاء الله تعالى .
أحسن الله إليكم فيه مسائل:
ـ الأولى : تفسير آية الواقعة.
ـ الثانية: ذكر الأربع التي من أمر الجاهلية.
ـ الثالثة : ذكر الكفر في بعضها.
ـ الرابعة : أن من الكفر ما لا يخرج من الملة.
ما لا يخرج من الملة الذي هو كالطعن في الأنساب و الفخر بالأحساب و إن كانت كبائر و لكن لا تخرج من الملة .
ـ الخامسة : قوله: "أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر" بسبب نزول النعمة.
ـ السادسة : التفطن للإيمان في هذا الموضع.
ـ السابعة : التفطن للكفر في هذا الموضع.
ـ الثامنة : التفطن لقوله: "لقد صدق نوء كذا وكذا".
ـ التاسعة : إخراج العالم للمتعلم المسألة بالاستفهام عنها، لقوله: "أتدرون ماذا قال ربكم؟ ".
ـ العاشرة : وعيد النائحة.
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة