شرح كتاب التوحيد : الدرس 31 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم قال المصنف رحمه الله تعالى : باب قول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} .
الآن انتقل المؤلف إلى العبادات القلبية ، أي أعمال القلوب .
وقوله: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} .
قول الله تبارك و تعالى : و من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، و هذا يسمونه شرك المحبة ، أي يساوون في المحبة بينهم و بين الله ، فالله لا يقبل المساوات سبحانه و تعالى .
و الله هو الوحيد الذي يحب لذاته ، و كل ما عدى الله يحب لغير ذاته ، إما لأن الله أمر بحبه كالأنبياء و الصالحين أو لإحسانه أو لأي شيء آخر ، الذي يحب لذاته فقط هو الله سبحانه و تعالى .
و هؤلاء أحبوا أصنامهم أو الذين اتخذوهم من دون الله كحب الله ، ساوو بينهم و بين الله في المحبة ، و منه قول الله تبارك و تعالى : تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ، و الله لا يقبل المساواة سبحانه و تعالى .
و الآية لها معنيان ؛ تحتمل معنيين : و من الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله ، أي يساوون بينهم و بين الله في المحبة ، أو يحبونهم كحب الله ، أي يحبونهم الحب الذي يجب أن يصرف إلى الله لكنهم لا يحبون الله .
إذن إما أنهم يحبون الله و يشركون في المحبة ، أو أنهم أصلا لا يحبون الله لكن يبالغون في محبة هؤلاء الأولياء كالحب الذي يجب أن يكون لله تبارك و تعالى .
ثم ذكر قوله تبارك و تعالى : {قُلْ
إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ
وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ
كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ
اللَّهُ بِأَمْرِهِ} ، هذا تهديد و وعيد من الله تبارك و تعالى ، يجب أن تكون محبة الله فوق كل هذه الأمور كلها .
بل أيضا لا يجوز التسوية بين محبة الله و رسوله ، بل محبة الرسول تبع ، و محبة الله هي الأصل سبحانه و تعالى .
قال رحمه الله تعالى : عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين" أخرجاه.
طبعا لا يؤمن لا يكمل إيمانه ، و ليس المقصود لا يؤمن أنه كافر لأن بعض الناس قد يحب الله و يحب الرسول صلى الله عليه و سلم و يحب الله جل و علا ، و لكن واقع أمره أنه يحب زوجته أكثر من ذلك ، و لذلك يطيعها في معصية الله تبارك و تعالى .
أو يطيع أمه أو أباه ، أو ابنه أو ابنته : إنما أموالكم وأولادكم فتنة ، الزوجة أو الولد قد تكون فتنة للإنسان لحبه الشديد لهما يقدم محبتهما على محبة الله تبارك و تعالى ، لكنه يحب الله ؛ فهذا لا يكفر ، و إنما هذا ينقص إيمانه .
إيمانه مجروح لكنه لا يكفر ، لأنه في الأصل يحب الله لكن محبته لله قاصرة لأنه يحب غير الله أكثر ، ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، تعس و انتكس ، هؤلاء لأنهم قدموا محبة هذه الأشياء على محبة الله ؛ لكنهم يحبون الله ، فهذا يسمى معصية و لا يسمى كفرا .
قال رحمه الله تعالى : ولهما عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار" . وفي رواية: "لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى ... " إلى آخره.
حلاوة الإيمان لا ينالها ؛ الذي لا يحب الله و رسوله أكثر مما سواهما ، عنده إيمان لكن لا يذوق حلاوته حتى يحب الله و رسوله أكثر مما سواهما .
قال رحمه الله : وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من أحب في الله، وأبغض في الله، ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك. ولن يجد عبد طعم الإيمان، وإن كثرت صلاته وصومه، حتى يكون كذلك؛ وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئا" رواه ابن جرير.
وهذا واقع ؛ ابن عباس رضي الله عنه تكلم عما وقع في زمانه و هو واقع الآن في زماننا و الله المستعان .
وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} قال: "المودة".
أي تقطعت بهم أسباب المودة ، يعني يوم القيامة يكفر بعضهم ببعض و يلعن بعضهم بعضا .
أحسن الله إليكم فيه مسائل:
ـ الأولى : تفسير آية البقرة.
ـ الثانية : تفسير آية براءة.
ـ الثالثة : وجوب محبته صلى الله عليه وسلم على النفس والأهل والمال.
ـ الرابعة : نفي الإيمان لا يدل على الخروج من الإسلام.
ـ الخامسة : أن للإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها.
ـ السادسة : أعمال القلب الأربع التي لا تنال ولاية الله إلا بها، ولا يجد أحد طعم الإيمان إلا بها.
ـ السابعة : فهم الصحابي للواقع: أن عامة المؤاخاة على أمر الدنيا.
ـ الثامنة : تفسير {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ} .
ـ التاسعة : أن من المشركين من يحب الله حبا شديدا.
ـ العاشرة : الوعيد على من كان الثمانية عنده أحب إليه من دينه.
وفي قوله تقطعت بهم الأسباب كما قال المؤلف هذا يحدث يوم القيامة ، كل أسباب غير شرعية فإنها ستتقطع يوم القيامة ، فالحب حبان : حب الله ، و حب غير الله ، حب الله كما ذكرنا ، و حب غير الله هذا أنواع : كالحب الفطري ، و الحب الشهواني ، و الحب المصلحي ، و الحب للإحسان ، و الحب في الله ، هذا هو الذي يحاسب عليه الإنسان .
الحب في الله هذا الذي هو ديني ، أما باقي الأشياء فهذه كلها حب دنيوي : يحب زوجته ، يحب أباه ، يحب من أحسن إليه ، يحب من شاكله في صنعته ، يحب اليتيم ، هذا كله حب دنيوي ، بأنواعه .
أما الحب الديني : فهو الحب في الله و البغض في الله ، هذا هو الحب الديني ، هذا الذي يحاسب الله عليه ، الله يحاسب العبد على هذا الحب الديني ، الذي يجب أن يصرف بشكل صحيح ، أن يصرف في مكانه الصحيح .
و يجب أن تكون محبتك للناس بمقدار قربهم من الله ، و يكون بغضك لهم بمقدار بعدهم عن الله ، و كلما كان الإنسان إلى الله أقرب ازدادت محبته في قلوبنا ، و كلما كان عن الله أبعد قلت محبته و هكذا بغض النظر هل هو قريب ؟ هل هو ليس بقريب ؟ هل هو جار ؟ أو ليس بجار ؟ هل هو من الحزب الذي أنتمي إليه من ضمن الشركة التي أنتمي إليها ؟
من ضمن الدولة التي أنتمي إليها كما هو الحال اليوم ؟ مصري ينتصر للمصريين ، كويتي ينتصر للكويتيين ، و يحبهم لأنهم كويتيون ، و هذا يحبهم لأنهم مصريون ، و ذاك يحبهم لأنهم من تونس ، وهذا يحبهم لأنهم من الجزائر ، و رابع من اليمن و هكذا ، هذا كله لا قيمة له ، و إنما يجب أن يكون الحب مقيدا بمدى قرب هذا الإنسان من الله أو بعده من الله ، هذا الذي يجب على المسلمين و الله المستعان .
ـ الحادية عشرة : أن من اتخذ ندا تساوي محبته محبة الله فهو الشرك الأكبر.
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة