شرح كتاب التوحيد : الدرس 18 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم ، قال المصنف رحمه الله تعالى : باب قول الله تعالى : إنك لا تهدي من أحببت ، في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال : لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عبد الله بن أبي أمية و أبو جهل ، فقال له : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله .
فقالا له : أترغب عن ملة عبد المطلب ، فأعاد عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، فأعادا ، فكان آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول : لا إله إلا الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك ، فأنزل الله عز و جل : ما كان للنبيء والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ، وأنزل الله في أبي طالب : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .
باب قول الله تعالى : إنك لا تهدي من أحببت ؛ وذكر حديث ابن المسيب ـ سعيد بن المسيب ـ عن أبيه المسيب بن حزن المخزومي أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة ، والظاهر أنه حضر عنده في ذلك اليوم النبي صلى الله عليه وسلم و أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية والمسيب بن حزن ، هؤلاء كانوا حاضرين عند أبي طالب يوم وفاته .
فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد من أبي طالب أن يقول لا إله إلا الله ؛ وذلك أن أبا طالب نصر النبي صلى الله عليه وسلم ودافع عنه و صد المشركين عن إيذائه كثيرا ، وكانوا يمتنعون عن إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم لمكانة أبي طالب عم النبي صلوات ربي وسلامه عليه .
فكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يؤمن أبو طالب لكنه لم يؤمن ، وذلك أنه قال له : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله ، ولو قالها لنفعته هذه الكلمة ، وحاج له النبي صلى الله عليه وسلم بها ؛ بأنه قال لا إله إلا الله .
و هنا قد يقول قائل : هو على فراش الموت وتقبل توبة العبد ما لم يغرغر ، قضية الغرغرة هذه قضية دقيقة جدا خاصة لمن كان مريضا ؛ يعني دقيقة جدا لا نعرف متى تكون بالضبط حتى يحكم عليه ، ولذلك يترك الحكم لله تبارك وتعالى .
لكن مثل الذي وقع لفرعون حتى إذا أدركه الغرق قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنوا اسرائيل وأنا من المسلمين ، قال : الآن وقد عصيت قبل ، هذا غرق يختلف ، هذا موت ظاهر ، لكن الموت الذي على فراش الموت يختلف ، هذا يمكن قد يكون لحظات كما زار النبي اليهودي فقال للشاب اليهودي قل : لا إله إلا الله فالتفت إلى أبيه فقال له : أطع أبا القاسم فقال : أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ثم مات .
فخرج النبي منشرح الصدر وقال الحمد لله الذي أنقذه من النار ، يعني دل هذا على أنه نفعته هذه الكلمة التي قالها وهو على فراش الموت .
على كل حال أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا أبا طالب لأن يقول هذه الكلمة فأبى أن يقولها ، وذلك أن أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية وهذا أخو أم سلمة أم المؤمنين ـ طبعا هذا قبل أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم ـ لأن هذا في مكة ؛ فأبيا عليه فقالا : أتترك ملة عبد المطلب ؛ يقول المسيب : فكان آخر كلامه هو على ملة عبد المطلب ، حتى توفاه الله تبارك وتعالى .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ، قال ونزلت : ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو كانوا أولي قربى ، هذه الآية مدنية في سورة التوبة ، وإنما ذكر هذا الحكم بعد ذلك ، ما يقصد الراوي أو الصحابي أنها نزلت الآن ، و لكن نزلت هذه الآية الحاسمة في مثل هذه الأمور .
ولكن الذي نزل قول الله تبارك وتعالى : إنك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء .
وهنا أحببت تحتمل معنيين ، المعنى الأول : أنك لا تهدي من أحببت هدايته ولكن الله يهدي من يشاء ، أو يكون المعنى إنك أحببته ، أي أنك تحبه ؛ لأنه عمه و بمنزلة أبيه .
فالذي تحبه هذا ؛ ليس هو الحب الديني ، لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ، ذاك الحب الديني ، هذا الحب الفطري ، وهذا غير ممنوع منه الإنسان ، كأن يحب زوجته اليهودية أو النصرانية ، أو يحب ولده أو يحب أباه أو يحب عمه ، أو يحب من أحسن إليه .
هذا ليس حبا دينيا ، المنهي عنه هو الحب الديني ، لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ـ الحب الديني ـ أما الحب الدنيوي لأي سبب من أسبابه فهذا لا بأس به .
ولم ينهى الله تبارك وتعالى عنه ، ومن هذا قول الله تبارك وتعالى : فإنك لا تهدي من أحببت ـ أي أحببت هدايته أو أحببته هو ـ ولكن الله يهدي من يشاء ، سبحانه وتعالى .
والعجيب في هذه القصة أن عبد الله بن أبي أمية الذي منع أبا طالب وأسلم بعد ذلك ، وذكر أنه استشهد في معركة اليرموك ضد النصارى ، أمره عجيب سبحان الله .
أحسن الله إليكم فيه مسائل :
ـ الأولى تفسير قوله : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء . الآية .
ـ الثانية تفسير قوله : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم ، الآية .
ـ الثالثة وهي المسألة الكبيرة تفسير قوله : قل لا إله إلا الله ، بخلاف ما عليه من يدعي العلم .
ـ الرابعة أن أبا جهل ومن معه عرف مراد النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال للرجل قل : لا إله إلا الله ، فقبح الله من أبو جهل أعلم منه بأصل الإسلام .
ـ الخامسة جده صلى الله عليه وسلم ومبالغته في إسلام عمه .
ولذا قالوا له : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ لو كانت المسألة لا تؤثر شيئا لقال لهم : لا إله إلا الله .
لماذا شدد أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية على ابن أبي طالب ؟ حتى لا يقولها ، لو قالها كما يقولها المنافقون ؛ قالوا لا : لا يقولها ، لأن مفهومها أنه سيكفر بالطاغوت ، أتترك ملة عبد المطلب ؟ وهو أبوه .
ـ السادسة الرد على من زعم إسلام عبد المطلب وأسلافه .
عبد المطلب و أسلافه وهم الذين لم يدركوا الإسلام ؛ اختلف فيهم أهل العلم هل يقال لهم أنهم من أهل الفترة ؟ أو لا يقال ؟ مسألة طويلة ، هناك من يرى أنهم ، من أهل الفترة طالما أنهم لم يدركوا بعثة النبي صلى الله عليه وسلم فيكونون من أهل الفترة .
ومنهم من قال أنهم مطالبون بما جاء به إسماعيل عليه السلام الذي كان من العرب ، والمسألة فيها كلام طويل لأهل العلم .
ـ السابعة كونه صلى الله عليه وسلم استغفر له فلم يغفر له ؛ بل نهي عن ذلك .
ـ الثامنة مضرة أصحاب السوء على الإنسان .
ـ التاسعة مضرة تعظيم الأسلاف و الأكابر .
ـ العاشرة الشبهة للمبطلين في ذلك لاستدلال أبي جهل بذلك .
ـ الحادية عشرة الشاهد لكون الأعمال بالخواتيم ، لأنه لو قالها لنفعته .
أكيد لو قالها لنفعته ، صحيح بعض أهل العلم يقول : أنه لو قالها لم تنفعه ، ولكن ليحاج له بها النبي صلى الله عليه وسلم وقد لا تنفعه ، والظاهر والعلم عند الله أنها تنفعه كما نفعت الغلام اليهودي .
ـ الثانية عشرة التأمل في كبر هذه الشبهة في قلوب الضالين ، لأن في القصة : أنهم لم يجادلوه إلا بها مع مبالغته صلى الله عليه وسلم و تكريره ؛ فلأجل عظمتها و وضوحها عندهم اقتصروا عليه .
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة