شرح كتاب التوحيد : الدرس 19 / الشيخ عثمان الخميس
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم ومن والاه ، اللهم اغفر لنا ولشيخنا ولمشايخه ولوالدينا وللمسلمين أجمعين اللهم آمين ، قال الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى : باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين .
و قول الله عز و جل : يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ، في الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قول الله تعالى : وقالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا ولا سواعا و لا يغوث ويعوق ونصرا .
قال : هذه أسماء رجال صالحين من قوم نوح ، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا ولم تعبد ، حتى إذا هلك أولائك ونسي العلم عبدت .
و قال ابن القيم رحمه الله تعالى : قال غير واحد من السلف : لما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم .
بسم الله الرحمن الرحيم و الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينهم هو الغلو في الصالحين ، أي هذا أحد الأسباب ، أو أول سبب وقع في الناس و أشركوا بالله تبارك وتعالى ، وكيف أن الشيطان احتال عليهم في أن يوقعهم في هذا الشرك ، و ذكر ذلك ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما في قول الله تبارك و تعالى : و قالوا لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواعا و لا يغوث ويعوق و نصرا .
و أنه كانت هذه الأسماء لرجال صالحين في قوم نوح عليه الصلاة والسلام وكان الناس عشرة قرون على التوحيد ، يعني من آدم إلى هذا الزمن لم يقع شرك ، هذا أول شرك وقع على وجه الأرض .
فجاءهم الشيطان فقال لهم صوروا صورهم حتى إذا تذكرتموهم ازددتم عبادة لله تبارك و تعالى ، فصنعوا هذه التماثيل و لم يعبدوها لأنهم يعرفون لماذا صنعوها ، لكن الأجيال التي بعدهم ـ جيل بعد جيل ـ جاءهم الشيطان فقال : كان أباؤكم وأجدادكم إنما يدعون هؤلاء وهم الشفعاء و هم الوسطاء بينهم و بين الله تبارك و تعالى .
فصاروا يدعونهم من دون الله و هذا أول شرك وقع في الأرض ، فأرسل الله إليهم نوحا عليه الصلاة و السلام فردوا عليه وقالوا : لا تذرن آلهتكم و لا تذرن ودا و لا سواعا و لا يغوث ويعوق ونصرا ، هذا كان ردهم على نوح عليه الصلاة و السلام لما زين لهم الشيطان هذه الأفعال .
قال رحمه الله تعالى : و عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله . أخرجاه .
قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : إياكم و الغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو . ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هلك المتنطعون ، قالها ثلاثا .
من هذا يتبين لنا قول الله تبارك و تعالى : لا تتبعوا خطوات الشيطان ، فالشيطان له خطوات ، ليس بالضرورة أن يأتي للإنسان مباشرة ويقول له أشرك ؛ ولكن يتبع معه هذه الخطوات حتى يوصله إلى مراده و هو الشرك بالله تبارك و تعالى .
قال وعن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ؛ أي لا تمدحوني مدحا زائدا ، لا تغلوا في ، كما أطرت النصارى عيسى بن مريم ، ماذا قالوا له : قالوا له ابن الله ، قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، قالوا هو الله ، ففي هذه الكلمات الخطيرة التي قالها النصارى في عيسى بن مريم خشي النبي صلى الله عليه وسلم أن يقع في المسلمين بغلوهم به أن يقعوا في مثل هذا الأمر فقال : لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم قولوا عبد الله و رسوله . يكفي عبد الله ورسوله .
هذا الذي يقال في نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو خير من عيسى صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين .
قال وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو ، والغلو هو مجاوزة الحد .
والغلو يكون في أمرين ـ أو الشرك ـ يقع في أمرين من خلال الغلو : إما الغلو بالمخلوق فيرفع حتى يصير كالخالق ، أن يشبه المخلوق بالخالق ، أو أن يشبه الخالق بالمخلوق .
وهذا تنقيص له تبارك وتعالى ، يعني إما أن يصفوا الله بصفات المخلوق فيتناقصونه ، وإما أن يصفوا المخلوق بصفات الخالق فيغالون فيه ، وكلا الأمرين باطل ولا يجوز للإنسان أن يسلك أحد هذين الأمرين .
قال و لمسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : هلك المتنطعون ، المتنطعون هم الغالون ، الذين يغلون ويتقعرون في الكلام و ما شابه ذلك من الأمور ؛ كل هؤلاء يقال لهم متنطعون . وأعادها ثلاثا صلوات ربي وسلامه عليه ، وهو من التكلف و التشدق في الكلام والفصاحة وغير ذلك . التنطع في كل شيء ؛ و هو صورة من صور الغلو .
أحسن الله إليكم فيه مسائل :
ـ الأولى أن من فهم هذا الباب وبابين بعده تبين له غربة الإسلام و رأى من قدرة الله وتقليبه للقلوب العجب .
ـ الثانية معرفة أول شرك حدث في الأرض أنه بشبهة الصالحين .
ـ الثالثة معرفة أول شيء غير به دين الأنبياء و ما سبب ذلك ؟ مع معرفة أن الله أرسلهم .
ـ الرابعة قبول البدع مع كون الشرائع والفطر تردها .
ـ الخامسة أن سبب ذلك كله مزج الحق بالباطل ، فالأول محبة الصالحين ، والثاني فعل أناس من أهل العلم و الدين شيئا أرادوا به خيرا فظن من بعدهم أنهم أرادوا به غيره .
ـ السادسة تفسير الآية التي في سورة نوح .
ـ السابعة جبلة الآدمي في كون الحق ينقص في قلبه و الباطل يزيد .
ـ الثامنة في شاهد نقل عن السلف أن البدع سبب الكفر .
ـ التاسعة معرفة الشيطان بما تؤول إليه البدعة ولو حسن قصد الفاعل .
ولذلك يحرص على البدع لأنها توصل في النهاية إلى هذا الأمر إلى الغلو ثم بعد ذلك الوقوع في الشرك ، ولذلك هي خطوات من الشيطان .
ـ العاشرة معرفة القاعدة الكلية هي النهي عن الغلو و معرفة ما يؤول إليه .
ـ الحادية عشرة مضرة العكوف على القبر لأجل عمل صالح .
ـ الثانية عشرة معرفة النهي عن التماثيل و الحكمة في إزالتها .
ـ الثالثة عشرة معرفة عظم هذه القصة و شدة الحاجة إليها مع الغفلة عنها .
ـ الرابعة عشرة وهي أعجب ، و أعجب قراءتهم إياها في كتب التفسير و الحديث و معرفتهم بمعنى الكلام وكون الله حال بينهم وبين قلوبهم حتى اعتقدوا أن فعل قوم نوح أفضل العبادات ، و اعتقدوا أن ما نهى الله و رسوله عنه هو الكفر المبيح للدم و المال .
ـ الخامسة عشرة التصريح أنهم لم يريدوا إلا الشفاعة .
ـ السادسة عشرة ظنهم أن العلماء الذين صوروا الصور أرادوا ذلك .
ـ السابعة عشرة البيان العظيم في قوله لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فصلوات الله وسلامه عليه على أن بلغ البلاغ المبين .
ـ الثامنة عشرة نصيحته إيان بهلاك المتنطعين .
ـ التاسعة عشرة التصريح بأنها لم تعبد حتى نسي العلم ، ففيها بيان معرفة قدر وجوده و مضرة فقده .
ـ العشرون أن سبب فقد العلم موت العلماء .
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة