شرح كتاب التوحيد : الدرس 23 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم قال المصنف رحمه الله تعالى : باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان ، و قول الله تعالى : ألم ترى إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت .
و قوله : هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، وعبد الطاغوت. و قوله : قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا .
قال : باب ما جاء أن بعض هذه الأمة يعبد الأوثان ، و ذكر ابتداء أن هذا وقع من اليهود و النصارى ثم بعد ذلك يتبعه بقوله : لتتبعن سنن من كان قبلكم ـ أي ستفعلون كفعلهم ـ .
الآن يقرر ما كان عليه أهل الكتاب من أنهم عبدوا الطاغوت و الجبت كما قال الله تبارك و تعالى : ألم ترى إلى الذين أتوا نصيبا من الكتاب ـ و هم اليهود ـ يؤمنون بالجبت والطاغوت . و يقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا .
فهؤلاء من أهل الكتاب وقعوا في هذا ، إذن في هذه الأمة من سيقع أيضا في هذا الأمر ، قال : هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه، وجعل منهم القردة والخنازير، و عبد الطاغوت. أي و عباد الطاغوت .
و سيكون من هذه الأمة مثل ما كان من أولئك القوم ، و قوله : قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا . و بعضهم يستدل بهذه الآية يقول : قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا . إذن يجوز بناء القبور على المساجد لأن هؤلاء قالوها .
طيب من هؤلاء الذين قالوا هذا الأمر : ليس فيهم ـ أي الذين قالوا لنتخذن عليهم مسجدا ـ أنبياء أو أنهم صالحون و أن الله أقرهم على ذلك ، و لكن الله يخبرنا عما وقع ، أن الذين غلبوا على أمرهم لجهلهم قالوا : لنتخذن عليهم مسجدا .
لا أنه أمرنا بهذا أو نص على هذا أو أيد قولهم ، أو صدق قولهم ، أبدا ليس فيه شيء من ذلك ، بل هو إلى الذم أقرب منه إلى المدح .
أحسن الله إليكم قال رحمه الله تعالى : عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لتتبعن سنن من كان قبلكم، حذو القُذَّةِ بالقُذَّة، حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه. قالوا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال : فمن ؟ . أخرجاه .
ولمسلم عن ثوبان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله زَوَى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكُها ما زُوِيَ لي منها. وأعطيت الكنْزين الأحمر والأبيض. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسَنَةٍ بعامةٍ، وأن لا يُسَلِّطَ عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ؛ وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيتُ قضاءً فإنه لا يُرَدُّ، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة بعامة، وأن لا أُسَلِّطَ عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيَسْتَبِيحَ بَيْضَتَهُمْ ولو اجتمع عليهم مَنْ بأقطارها، حتى يكون بعضُهم يُهْلِكُ بعضًا ويَسْبِي بعضُهم بعضًا". ورواه البرقاني في صحيحه وزاد: "وإنما أخاف على أمتي الأئمةَ المضلين، وإذا وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة. ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد فِئامٌ من أمتي الأوثان. وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون؛ كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".
ذكر المؤلف رحمه الله تبارك و تعالى حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : لتتبعن سنن أي طرق من كان قبلكم حذو القُذَّةِ بالقُذَّة ، القذة هي الريشة التي تكون في السهم . فيه ريشتان متشابهتان تماما ، كما أن هذين الريشتين متشابهتان كذلك أنتم ستكونون متشابهين معهم في فعلهم حذو القُذَّةِ بالقُذَّة ، قال حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه.
قال أهل العلم إنما شبه هذا بجحر الضب لضيقه ، لضيق هذا الجحر ، يعني حتى هذا الجحر لو دخلوه على ضيقه حتما ستدخلون معهم .
ويذكرون من ضيق جحر الضب أنه يصنع جحره على مقاسه بالضبط ، يعني لا يتكلف زيادة ، يعني ما يبني دورين ويزيد الثالث احتياطا لا ، الجحر على قدر مقاسه ، حتى قالوا إن الضب لا يستطيع أن يدور داخل جحره بل يخرج منه وهو يمشي بالخلف لضيق الجحر .
بل قالوا : إذا أتى الذكر الأنثى قد يموت أحدهما لأنهما لا يستطيعان الخروج من الجحر لهذه الدرجة جحر الضب ضيق للغاية .
والورل يأتي للضب يخرجه من جحره ويأخذه منه ، مسكين الضب ، فالمهم هنا أن النبي صلى الله عليه و سلم يقول : لو دخلوا هذا الجحر الضيق ، و هو جحر الضب لدخلتموه أيضا من شدة المتابعة ، يعني كأنه أعمى لا يرى ، حتى الشيء السيء يتابعه فيه .
حتى الذي لا يقبله العقل يتابعهم فيه ، وهذا لجهلهم و افتتانهم بهم ؛ يفتنون و يفتتنون بهؤلاء حتى يقلدوهم في كل شيء والعياذ بالله ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلوه خلفهم .
قال و لمسلم عن ثوبان ذكر حديثا طويلا أراد آخره و هو زيادة البرقاني رحمه الله تعالى و فيه : و إنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين حتى قال : و لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين ، و حتى تعبد فئام من أمتي الأوثان .
يعني سيحدث هذا ، و لذا جاء في الحديث أيضا : لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَضْطَرِبَ أَلَيَاتُ نِسَاءِ دَوْسٍ عَلَى ذِي الخَلَصَةِ . يعني سيعود الشرك و العياذ بالله .
و ستعبد بعض هذه الأمة الأصنام بعد إذ نجاها الله تبارك و تعالى منها ، فالذي يقول اليوم مثلا نحن خلاص انتهينا من عبادة الأصنام ، كلام فاضي غير صحيح أبدا ، الذين كانوا في زمن نوح ، أو قبل نوح عليه الصلاة و السلام وقالوا : لا تذرن آلهتكم ، هؤلاء آباؤهم و أجدادهم الذين بنوا تلك الأصنام كانوا يقولون مثل هذا الكلام ، من سيعبد الأصنام ؟ نحن لا نعبد إلا الله وهذه مجرد صور و تماثيل فقط لنتذكر .
و هكذا الذي يفعلونه الآن ، فصناعة التماثيل و بناؤها كل هذا لا يجوز ، وهذا فتح باب لوقوع الشرك أو عودة الشرك في بلاد المسلمين نسأل الله تبارك و تعالى أن يطهر بلادنا و بلاد المسلمين منها .
أحسن الله إليكم فيه مسائل :
ـ الأولى تفسير آية النساء .
ـ الثانية تفسير آية المائدة .
ـ الثالثة تفسير آية الكهف .
ـ الرابعة و هي أهمها ما معنى الإيمان بالجبت و الطاغوت في هذا الموضع ، هل هو اعتقاد قلب أم هو موافقة أصحابها مع بغضها و معرفة بطلانها ؟
ـ الخامسة قولهم إن الكفار الذين يعرفون كفرهم أهدى سبيلا من المؤمنين .
ـ السادسة و هي المقصودة بالترجمة أن هذا لا بد أن يوجد في هذه الأمة ، كما تقرر في حديث أبي سعيد .
ـ السابعة تصريحه بوقوعها أعني عبادة الأوثان في هذه الأمة في جموع كثيرة .
ـ الثامنة العجب العجاب خروج من يدعي النبوة مثل المختار مع تكلمه بالشهادتين و تصريحه بأنه من هذه الأمة و أن الرسول حق و أن القرآن حق ، وفيه أن محمدا صلى الله عليه و سلم خاتم النبيين و مع هذا يصدق في هذا كله مع التضاد الواضح ، و قد خرج المختار في آخر عصر الصحابة و تبعه فئام كثيرة .
المختار بن أبي عبيد ، هذا هو المختار بن أبي عبيد ادعى النبوة و قبله ادعى النبوة كما هو معلوم مسيلمة و طليحة و الأسود و سجاح ادعوا النبوة ، و النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه 30 كذابا يدعون النبوة .
و قد يقول قائل الذين ادعوا النبوة أكثر من ثلاثين ، كثر ، أظن قريبا في واحد ادعى النبوة قبل أيام ، لكن الشاهد من هذا هو أن المقصود من ذكر الثلاثين الكثرة وليس المقصود العدد ، أو أن هؤلاء الثلاثين هؤلاء الذين يكون لهم أتباع ، و يكون لهم ظهور .
ـ التاسعة البشارة بأن الحق لا يزول بالكلية كما زال فيما مضى ، بل لا تزال عليه طائفة .
ـ العاشرة الآية العظمى أنهم مع قلتهم لا يضرهم من خذلهم و لا من خالفهم .
ـ الحادية عشرة أن ذلك من أشراط الساعة .
ـ الثانية عشرة ما فيه من الآيات العظيمة منها : إخباره بأن الله زوى له المشارق و المغارب و أخبر بمعنى ذلك فوقع كما أخبر بخلاف الجنوب و الشمال ، و إخباره بأنه أعطي الكنزين ، و إخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين و إخباره بأنه منع الثالثة ، و إخباره بوقوع السيف و أنه لا يرفع إذ وقع ، و إخباره بإهلاك بعضهم بعضا و سبيهم بعضهم بعضا ، و خوفه على أمته من الأئمة المضلين ، و إخباره بالمتنبئين في هذه الأمة ، و إخباره ببقاء الطائفة المنصورة ، و كل هذا وقع كما أخبر مع أن كل واحدة منها من أبعد ما يكون في العقول .
ـ الثالثة عشرة حصره الخوف على أمته من الأئمة المضلين .
ـ الرابعة عشرة التنبيه على معنى عبادة الأوثان .
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة