شرح كتاب التوحيد : الدرس 2 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم ، قال المصنف رحمه الله تعالى باب فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب ، وقول الله تعالى : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون .
فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب وقول الله تبارك وتعالى : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون . أما فضل التوحيد فهو أنه يُعطي الإنسان الأمن في الدنيا والآخرة ، وأن قبول الأعمال متوقف على التوحيد ، وأن الإنسان يتحرر من رق المخلوقين إذا أعطى التوحيد حقه .
وأنه يمنع من دخول النار لمن حقّق التوحيد وابتعد عن الكبائر ، ويمنع من الخلود في النار لمن حقّق التوحيد ولو وقع في الكبائر ، ثم هو كذلك سببٌ لمغفرة الذنوب : لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا غفرت لك ذلك ولا أبالي .
ثم كذلك هو يكثر القليل ؛ كما في حديث البطاقة : يأتي رجل وتعرض عليه أعمال 99 سجلا مد البصر ، فيها أعماله السيئة فيوقن بالهلاك ، فيقال له : لك عندنا حسنة ، يقول : فما تفعل هذه الحسنة؟ قالوا إنك لا تظلم ، ثم يؤتى بلا إله إلا الله فتوضع في كفة والسجلات الأخرى في كفة ، فتطيش السجلات وتثقل لا إله إلا الله .
فالتوحيد شأنه عظيم ، وعلى الإنسان أن يهتم بهذا الجانب ويكرره ويدرسه ويلقنه أولاده وأولاد أولاده وجيرانه وأصدقائه ومن يحب ؛ يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى ، لعل الله تبارك وتعالى أن يتوفاهم على هذا التوحيد .
ثم الموحدون هم المستحقون فقط لشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم كما قلنا بالأمس ، ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ، ولا يرتضي الله تبارك وتعالى أحداً فارق التوحيد ، لا يرتضي إلا الموحدين سبحانه وتعالى ، جعلنا الله وإياكم ممن يموت على التوحيد ويحي على التوحيد ويلقى ربه على التوحيد سبحانه وتعالى .
قال : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ، ذكر أهل العلم أن الظلم ثلاثة أنواع : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ، أن الظلم ثلاثة أنواع : ظلم الشرك ، إن الشرك لظلم عظيم ، وظلم الغير وهو أخذ حقوق الناس أو إيذاءهم ، وظلم النفس وهو الوقوع في المعاصي التي لا تعلق لها بالبشر وإنما متعلقة بين العبد وربه سبحانه وتعالى دون الشرك ، المعاصي التي هي دون الشرك ولا تعلق لها بالبشر وإنما بين العبد وبين ربه سبحانه وتعالى .
فإذا سلم الإنسان من هذه الثلاثة سلم من ظلم الشرك ، و سلم من ظلم الناس ، وسلم من المعاصي التي بينه وبين الله تباركه وتعالى فهذا له الأمن التام يوم القيامة . الأمن التام .
ومن أخلّ بالتوحيد ؛ وقع في ظلم الشرك وإن أدّى ظلم الناس لم يأتي إليه ؛ يعني سلم من ظلم الناس فإنه لا يأمن يوم القيامة أبداً ، لأنه كافر ، فهذا لا يأمن أبداً ، وليس له أمن نهائيا .
ومن أتى بالتوحيد وأمن أو سلم من ظلم الشرك ولكنه وقع في ظلم الناس أو ظلم النفس فيما هو دون الشرك ، تقع منه المعاصي ، أو وقع في ظلم الناس وهذا كثير في المسلمين ، فهؤلاء تحت مشيئة الله تبارك وتعالى وليس لهم الأمن التام ، لكن لهم أمن ، لهم أمن بما عندهم من التوحيد ، ولهم خوف لما وقعوا فيه من ظلم الناس أو الوقوع في المعاصي .
فالناس ثلاثة : إما أن يأخذ أمناً تاماً كاملاً ، وإما أن لا يأخذ أمناً أبداً ، وإما أن يكون جمع بين أمن وخوف وهو الموحد العاصي . الموحد العاصي هذا جمع بين أمن و خوف ، فلا يأخذ الأمن التام ولا يحرم من الأمن كله ، نسأل الله تبارك وتعالى السلامة .
أحسن الله إليكم ، قال رحمه الله تعالى : وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أن محمدا عبده ورسوله ، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ، والجنة حق و النار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل . أخرجاه .
نعم يعني إذا وقع الإنسان في هذا الأمر العظيم المبارك والتزمه فإنه يدخل الجنة على ما كان من العمل ، ودخول الجنة هنا على حالين : إما أوليا ، و إما مآليا ، أوليا : مباشرة يدخل الجنة ـ أي لا يدخل النار ، و مآليا أي مصيره إلى الجنة و إن دخل النار ؛ ليهذب و يعاقب على بعض ذنوبه وهي الكبائر التي وقعت منه .
لأن الذنوب تنقسم إلى قسمين : إلى كبائر و صغائر ، أما الصغائر فيمحوها الله ولا يحاسب عليها يوم القيامة سبحانه وتعالى ، خاصة إذا اجتنب الإنسان الكبائر فإن الله تبارك وتعالى يمحو الصغائر ، أما الكبائر فيحاسب عليها الإنسان يوم القيامة ، و احتمال أن يدخل النار ، و احتمال أن لا يدخلها ، لأن هؤلاء يقال لهم تحت المشيئة .
إن الله لا يغفر أن يشرك به و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، ولا شك أن الكبائر دون ذلك ، دون الشرك ، فهؤلاء تحت المشيئة قد يدخلون الجنة مباشرة بشفاعة الشافعين أو بمغفرة رب العالمين ، وقد تمسهم النار على ما وقع منهم من الذنوب الكبيرة ومصيرهم إلى الجنة .
ويقال لهم يدخلون الجنة دخولاً مآلياً ، أي في النهاية سيدخلون الجنة ولا يخلدون في نار الجهنم ، ولا يخلد في النار إلا كافر .
نعم ، أحسن الله إليكم ، قال رحمه الله : ولهما في حديث عتبان فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله . وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال موسى عليه السلام : يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به ، قال : قل يا موسى لا إله إلا الله ، قال كل عبادك يقولون هذا ، قال يا موسى : لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفة ، ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله . رواه ابن حبان والحاكم وصححه .
نعم ، حديث عتبان ابن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله ، وذلك أن عتبان بن مالك كبر وعمي رضي الله عنه فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوره في بيته ، فيتخذ مكانا في بيته يصلي فيه النبي صلى الله عليه وسلم فيتخذه عتبان بعد ذلك مصلى له يتبرك بهذا المكان الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم مسجداً .
وهذه تسمى مساجد البيوت ، مساجد البيوت : وهو أن يجعل الإنسان له مكانا في البيت للصلاة ، يصلي فيه هو أو غيره من أهل بيته يصلون في هذه الأماكن ، فالمهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إلى هناك ، قال : قال أين مالك ابن الدخشن وهو أحد الأنصار ، فقال رجل من الجالسين : قال ذاك منافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقل ذلك ـ يعني إنه منافق ـ ، قال : إنا نراه مع المنافقين يمشي يصير معهم وكذا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله .
يعني هذه المعاصي وإن وقعت من الناس لكنها لا تخرجهم من كونهم مسلمين ، هذه المعاصي وإن كبرت إلا إنه طالم أنه عنده أصل التوحيد فهو مسلم ، هذا هو الأصل وإن كان قد يقع منه بعض أعمال الكفر طالم أنه لم يخرج من الملة فالأصل أنه مسلم حتى يثبت خلاف ذلك .
نعم ، قال وعن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال موسى : يا رب علمني شيئا أذكرك به وأدعوك به ، هذا الحديث مختلف في صحته والأقرب أنه لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لكن يشهد له حديث آخر عن نوح عليه الصلاة والسلام يشبه هذا الحديث ويدور في فلكه ، وبالتالي بعض أهل العلم يرى أنهما يقوّي أحدهما الآخر .
لكن بدون هذا الحديث المعنى واضح جداً وهو أن لا إله إلا الله هي أعظم كلمة يقولها العبد ويتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى .
نعم قال المصنف رحمه الله : و للترمذي وحسنه عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا ، لأتيتك بقرابها مغفرة .
نعم هذا الحديث حسن إن شاء الله تعالى ؛ حسن لغيره يعني بمجموع طرقه يرتقي إلى أن يكون حسناً ، ومعناه أن الإنسان لو لقي الله تبارك وتعالى أي يوم القيامة لا يشرك بالله شيئاً ولو كثرت ذنوبه للقيه الله تبارك وتعالى في ذلك اليوم بقرابها مغفرة سبحانه وتعالى .
لو بلغت ذنوبك عنان السماء ، أي وصلت إلى السماء ثم لقيتني لا تشرك بي شيء غفرت لك ذلك ولا أبالي سبحانه و تعالى ، نسأل الله أن يغفر لنا و لكم .
نعم ، أحسن الله إليكم : فيه مسائل :
ـ الأولى سعة فضل الله .
ـ الثانية كثرة ثواب التوحيد عند الله .
ـ الثالثة تكفيره مع ذلك للذنوب .
ـ الرابعة تفسير الآية التي في سورة الأنعام .
ـ الخامسة تأمل الخمس اللوات في حديث عبادة .
ـ السادسة أنك إذا جمعت بينه وبين حديث عتبان وما بعده تبين لك معنى قول لا إله إلا الله وتبين لك خطأ المغرورين .
ـ السابعة التنبيه للشرط الذي في حديث عتبان .
ـ الثامنة كون الأنبياء يحتاجون للتنبيه على فضل لا إله إلا الله .
ـ التاسعة التنبيه لرجحانها بجميع المخلوقات مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه .
ـ العاشرة النص على أن الأراضين سبع كالسماوات .
ـ الحادية عشرة أن لهن عمارا .
ـ الثانية عشرة إثبات الصفات خلافا للأشعرية .
ـ الثالثة عشرة أنك إذا عرفت حديث أنس عرفت أن قوله في حديث عتبان : فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله ؛ أن ترك الشرك ليس قولها باللسان .
ـ الرابعة عشرة تأمل الجمع بين كون عيسى و محمد عبدي الله و ورسوليه .
ـ الخامسة عشرة معرفة اختصاص عيسى بكونه كلمة الله .
ـ السادسة عشرة معرفة كونه روحا منه .
معنى وروح منه هذه إضافة إكرام من الله تبارك وتعالى وما يضاف إلى الله تبارك وتعالى إما أن يكون إضافة للإكرام وإما أن يكون إضافة أنه صفة من صفات الله تبارك وتعالى . وتمييزنا بين هذه وهذه ، ما كان مُنفكًا أي ما كان جسداً قائماً بذاته فهو إضافة إكرام ، كما تقول بيت الله وناقة الله وروح الله وما شابه ذلك .
فهذه إضافة تكريم عندما ينسبه الله إلى نفسه سبحانه وتعالى ، وأما إذا لم يكن عينا قائمة بذاتها وإنما هو معنى من المعاني فهي صفة لله سبحانه وتعالى ، فهي تكون صفة لله تبارك وتعالى : كعلم الله وحكمة الله وقدرة الله فهذه الصفات لله .
الحكمة ليست شيئا تراه يمشي وحده أو شيء ، فما كان عينا قائمة بذاتها فإضافتها إلى الله إضافة تكريم ، وما لم يكن كذلك فهو إضافة صفة لله تبارك وتعالى .
ـ السابعة عشرة معرفة فضل الإيمان بالجنة والنار .
ـ الثامنة عشرة معرفة قوله على ما كان من العمل .
ـ التاسعة عشرة معرفة أن الميزان له كفتان .
ـ العشرون معرفة ذكر الوجه .
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :