شرح كتاب التوحيد : الدرس 3 / الشيخ عثمان الخميس

 

 

 

شرح كتاب التوحيد : الدرس 3 / الشيخ عثمان الخميس


شرح كتاب التوحيد : الدرس 3 / الشيخ عثمان الخميس

 

أحسن الله إليكم ، قال المصنف رحمه الله تعالى : باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب ، وقول الله تعالى : إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يكن من المشركين ، وقال : وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُون .

 

نعم من حقق التوحيد دخل الجنة ، الذي يختلف في هذا الباب عن الباب السابق ، أن الباب السابق في من حقق التوحيد وعنده بعض الشوائب ، بعض الأخطاء ، بعض التقصير .

 

 بينما هذا الباب في من حقق التوحيد وسلم من الشوائب ، والناس مع التوحيد على ثلاثة أحوال : إما من يحقق التوحيد بلا شوائب ، ـ الشوائب هي المعاصي ـ وهذه المعاصي تُكدِّر التوحيد ، فالنوع الأول هو الذي حقق التوحيد ولم يُكدِّره لا بشرك أصغر ولا بشوائب .

 

 الثاني من حقّق التوحيد وابتعد عن الشرك الأصغر ولكنه أصاب بعض الشوائب ، وهي المعاصي ، كبائر كانت أو صغائر .

 

 النوع الثالث من حقق التوحيد ناقصاً ، أخل به ؛ وهو أن يقع في الشرك الأصغر ، فالشرك الأصغر لا ينافي أصل التوحيد ، لكنه يخدشه ويضر به ، وصاحبه اختلف فيه أهل العلم ، هل داخل تحت المشيئة؟ أو لا يدخل تحت المشيئة؟ لقول الله تبارك وتعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، فبعضهم قال : إن الله لا يغفر أن يشرك به ؛ الشرك الأكبر ، ويغفر ما دون ذلك الشرك الأصغر والكبائر والصغائر وهكذا .

 

وبعض أهل العلم قال لا ، إن الله لا يغفر أن يشرك به ، شركا أكبر أو أصغر ، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء الكبائر والصغائر ما لم تكن شركا .

 

فعلى خلاف بين أهل العلم في الشرك الأصغر هل هو داخل  تحت المشيئة أو غير داخل تحت المشيئة ؟ فالإنسان إذن إما أن يحقق التوحيد ولا يقع منه شرك أصغر ولا معاصي سالم من الشوائب ، وإما أن يبتعد عن الشرك الأكبر ويبتعد عن الشرك الأصغر ويقع في المعاصي .

 

 فهذا أقل من الأول وهو تحت المشيئة ؛ إذا كان أتى بالكبائر ، وهذا توحيده ناقص لأنه كدره بهذه المعاصي . الثالث الذي حقق التوحيد ولكنه كدره بالشرك الأصغر ، فهذا ينافي كمال التوحيد لأنه كدره بالشرك الأصغر .

 

 نعم قوله من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب سيأتي الحديث إن شاء الله تعالى ، قوله : إن إبراهيم كان أمة قانتا حنيفا ولم يكن من المشركين ، صلوات ربي وسلامه عليه ، إمام الحنفاء إبراهيم صلوات ربي وسلامه عليه ، وصفه الله تبارك وتعالى في هذه الآية بأربع صفات : أنه كان قانتا ، أنه أمة ـ أمة أي قدوة ـ الأمة هو القدوة .

 

 وتأتي أمة على معاني : تأتي بمعنى القدوة ، وتأتي الأمة بمعنى الطائفة ، وتأتي الأمة بمعنى مجموعة الناس التي تكون في زمن واحد ، وتأتي الأمة بمعنى الملة ، الدين ؛ إنا وجدنا أباءنا على أمة ، أي على دين ، على ملة .

 

 وتأتي الأمة بمعنى المدة الزمنية ، وادكر بعد أمة أي بعد مدة ، كل هذه تأتي ، طيب كيف نعرف المراد؟ من سياق الكلام تعرف ما هو المراد في كلمة أمة ، هنا إبراهيم عليه والسلام وصفه الله تبارك وتعالى بأنه كان أمة ؛ أي إماما قدوة صلوات ربي وسلامه عليه .

 

 وصفه بأنه حنيف ، والحنيف هو المائل ، والأحنف هو الذي يمشي على برد يعني يعرج ، فيه عرج يقال له حنيف ، والأحنف ابن قيس سمي بالأحنف لأنه كان يعرج رضي الله عنه .

 

 إبراهيم كان حنيفاً أي منحرفاً  ، منحرفاً عن ماذا ؟ منحرفاً عن الشرك ، والشرك في أصله هو انحراف ، فالانحراف عن الانحراف يكون اعتدالاً . هم منحرفون ابراهيم انحرف عنهم فصار معتدلاً صلوات ربي وسلامه عليه .

 

 فالحنيف أيضا بحسب وقوعها من الكلام ، فالأصل فيها في لغة العرب هو المنحرف عن الشيء ، وهو انحرف عن قومه الذين وقعوا في الشرك صلوات ربي وسلامه عليه فسمّاه الله تبارك وتعالى حنيفاً .

 

 ثم قال الله جل وعلا عنه : ولم يكن من المشركين ، وذلك لكمال توحيده لكماله صلوات ربي وسلامه عليه ، لم يكن من المشركين .

 

 قوله : والذين هم بربهم لا يشركون ، هذا وصف للمؤمنين أنهم لا يشركون بالله ، سواء كان الشرك الأكبر أو الشرك الأصغر ، وكان الصحابة رضي الله عنهم كما جاء عن ابن مسعود يقول : عن معاذ بن جبل يقول : كان أمة معاذ بن جبل رضي الله عنه ، فقال له قائل إنما ذلك إبراهيم ، إن إبراهيم كان أمة قانتا لله ؛ كيف تقول معاذ بن جبل ، قال : كنا نشبهه بإبراهيم ، يقول ابن مسعود كنا نشبه معاذ بن جبل بإبراهيم عليه الصلاة والسلام .

 

و معاذ بن جبل كان من كبار علماء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حتى إنه جاء في الحديث أن معاذا يأتي يوم القيامة يسبق العلماء برتوة ، قال أهل العلم برتوة بخطوة ، قال بعضهم بحذفة حجر يسبق العلماء رضي الله عنه .

 

وجاء عن عمر رضي الله عنه ، وبعضهم رواه حديثا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : أعلمكم بالحلال والحرام معاذ ، رضي الله عنه وعن الجميع .

 

 نعم أحسن الله إليكم قال رحمه الله تعالى : وعن حُصين بن عبد الرحمان قال : كنت عند سعيد بن جبير فقال : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ فقلت : أنا ، ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت ، قال : فما صنعت ، قلت : ارتقيت ، قال : فما حملك على ذلك ؟ قلت : حديث حدثناه الشعبي ، قال : وما حدثكم ؟ قلت : حدثنا عن بريدة بن الحُصيب أنه لا رقية إلا من عين أو حمة ، قَالَ قَدْ أَحْسَنَ مَنْ انْتَهَى إِلَى مَا سَمِعْ ؛ وَلَكِنْ حَدَّثَنا ابْنُ عَبَّاسٍ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ أنَّهُ قَالَ : عُرضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمْ فَرأيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الْرَهطُ ، وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الْرَجُلُ وَالرَّجُلَانِ ، وَالنبي وليس معه أحد ، إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي فقيل لي : هذا موسى وقومه ، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي : هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب .

 

 ثم نهض فدخل منزله ، فخاض الناس في أولئك ، فقال بعضهم فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا ، وذكروا أشياء فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه ؛ فقال : هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون ، فقام عُكَّاشة بن محصن فقال : ادعو الله أن يجعلني منهم ، فقال أنت منهم ، ثم قام رجل آخر فقال : ادعو الله أن يجعلني منهم ، فقال : سبقك بها عُكَّاشة .

 

نعم في هذا الحديث حديث حصين بن عبد الرحمان قال : كنت عند سعيد بن جبير ، فقال أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ، فقلت أنا ، ثم استدرك فقال : أما أني لم أكن في صلاة ، وهذا من ورعه رحمه الله تبارك وتعالى أنه قال لم أكن في صلاة ، خشية أن يظن البعض أنه صاحب قيام ليل وكذا ، فمن ورعه قال أما أني لم أكن في صلاة ولكني لدغت ، فقال له سعيد : فما صنعت عندما لدغت ؟ قال ارتقيت ، وفي رواية مسلم استرقيت أي طلبت الرقية ، فقال ما حملك على هذا ؟ لماذا ارتقيت أو لماذا استرقيت؟ يعني لماذا فعلت هذا الأمر؟ 

 

قال حديث سمعته من بريدة بن الحصيب رضي الله عنه الصحابي المعروف ، قال حديث حدثناه الشعبي عن بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا رقية إلا من عينٍ أو حمة ، حمة يعني سم ، من العين أو من السم .

 

 فهنا سعيد بن جبير قال قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ، سمعت حديثاً ؛ سلمنا لك بهذا ، ولكني سمعت أنا حديثاً آخر ، حدثنا ابن عباس رضي الله تبارك وتعالى عنهما ؛ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمَ فرأيتُ النبي ومعه الرَّهْط أي الجماعة الكثيرة ، والنبي ومعه الرَّجل والرجلان ، وفي رواية والنبي معه الرُهَيط ـ يعني الأقل ـ ، والنبي ليس معه أحد .

 

يعني هكذا سيأتي الأنبياء يوم القيامة مع أقوامهم ، فيأتي نبي مع قومه ، يأتي نبي مع رهط ، يأتي نبي مع رهيط ، يأتي نبي مع رجلين ، يأتي نبي معه رجل ، يأتي نبي ليس معه أحد .

 

 ولك أن تتصور هنا حال الأنبياء صلوات ربي وسلامه عليهم يأتون يوم القيامة ولم يستجب لهم أحد ، وبعضهم استجاب لهم قليل ، وهذا لا ينقص من قدر النبي صلى الله عليه وسلم عند الله تبارك وتعالى ، لأن الأقدار عند الله تبارك وتعالى بالتقوى ، كما قال : إن أكرمكم عند الله أتقاكم . وليس بكثرة أتباعه وإنما بما في قلبه من التقوى والدين .

 

 كلٌ مسؤول عن عمله هو ، ورقيه عند الله تبارك وتعالى بقدر ما بلغت به التقوى ، ومن هذا تعلم عندما تسمع عن فاطمة بنت محمد رضي الله تبارك وتعالى عنها وصلى الله وسلم على أبيها ؛ توفيت ولها من العمر أربع وعشرون سنة صغيرة جدا ، ومع هذا سيدة نساء العالمين رضي الله عنها ؛ بماذا؟ بما في قلبها من التقوى .

 

 عندها أخوات وهن أيضا بنات النبي صلى الله عليه وسلم لكنها كانت أتقى ، وأتقى من عامة الناس ـ النساء ـ ولذلك صارت سيدة نساء العالمين رضي الله عنها .

 

 فالقضية ليست قضية كثرة أعمال بقدر ما هي قضية يقين وتقوى وتوكل ، لذلك قلنا إن أعمال القلوب أعظم عند الله تبارك الله من أعمال البدن .

 

أعمال القلوب مقدرة جدا عند الله تبارك الله ، لذلك قال الله تبارك وتعالى : إن الله لا ينظر إلى أموالكم ولا إلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ، سبحانه وتعالى .

 

 فالقلوب هي التي يعتبرها الله تبارك وتعالى ، لا أنظر إلى أموالكم وصوركم ولكن أنظر إلى أعمالكم وقلوبكم ، فالقلوب هي التي لها العبرة العظيمة عند الله تبارك وتعالى ، ويحكم من خلالها على عباده جل في علاه .

 

 فالنبي وإن كان ليس معه أحد هذا لا ينقص من قدر النبي ، لا ينقص من قدر النبي ولو جاء رجل يعني مثل أبي بكر الصديق ، لا يجوز أن يقال إن أبا بكر الصديق أفضل من نبي لم يأتي معه أحد ، فضلا عن غير أبي بكر .

 

 بل الأنبياء هم سادات الأولياء ، ولا يجوز أن يقدم أحد على أي نبي صلوات ربي وسلامه عليهم أجمعين ، ولذلك حكم القاضي عياض ، ونقل هذا عن أهل العلم أنه قال : من فضل غير الأنبياء عليهم فقد كفر . إلى هذه الدرجة .

 

 والله تبارك وتعالى لما ذكر الأنبياء قال : وكلاً فضلنا على العالمين ، أي العالمين كلهم ، فضل الأنبياء وأمثالهم من الرسل على جميع العالمين ، فإذن لا يضر النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن معه أحد . 

 

كما أنك أنت أيضا وأنا لا يضرنا شيء إذا جئنا يوم القيامة وليس لنا أتباع أو أناس يعني تأثروا بنا أو كذا ، المهم أعمالنا نحن ، كل إنسان مسؤول عن عمله هو ، غير مسؤول عن عمل غيره .

 

 قال : إذ رفع إليّ أو لي سوادٌ عظيم ، فظننت أنهم أمتي ، رفع لي سوادٌ عظيم ظننت أنهم أمتي ، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بُشّر أن أمته أكثر الأمم ، ولذلك يعدلون ثلثي أهل الجنة أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

 

 وهنا يقول رفع إليّ فظننت أنهم أمتي فقيل لي هذا موسى وقومه ، ومن هذا تفهم قول الله تبارك وتعالى : يا بني اسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين ، فكانوا أفضل أهل زمانهم ، لكن لما بُعث محمد صلى الله عليه وسلم حسدوه ، وحسدوا العرب على بعثة النبي صلى الله عليه وسلم منهم ، وكانوا يظنون أن النبي المرتقب الذي بشر به موسى وعيسى والأنبياء أنه سيكون من بني إسرائيل كحال الأبياء السابقين .

 

 فصدموا وفوجئوا بأن هذا النبي من العرب ، فحسدوهم فقال الله تبارك وتعالى : الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبنائهم ، فهم حسدوا المسلمين أو حسدوا العرب على أن بعث الله تبارك وتعالى النبي محمدا صلى الله عليه وسلم منهم .

 

 يقول : فنظرت فإذا سواد عظيم ، فقيل لي : هذه أمتك ، هذا السواد العظيم الآخر هم أمتك ، ثم قال : ومعهم سبعون ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، 70 ألفا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يدخلون للجنة بغير حساب ولا عذاب .

 

 لا شك أن الإنسان عندما يسمع هذا الخبر يتمنى أن يكون من ال 70 ألفا ، يريد أن يكون كذلك ، من هؤلاء ، وبعض أهل العلم قال السبعون ألف غير مقصودة ، يعني هذه الأرقام التي تذكر غير مقصودة ، ليسوا سبعون ألفا يعني بالعدد ، ولكن المراد أنهم عدد كبير ، أنه عدد كبير دون تحديد رقم بذاته .

 

 وإنما العرب دائما تذكر السبعين من باب التكثير ، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم : افترقت اليهود على سبعين فرقة وافترقت النصارى على 71 ، وستفترق أمتي على ثنتين وسبعين فرقة . هذا حجر ألقي في النار منذ سبعين خريفاً لم يسقط إلا اليوم .

 

 فيقول هذه الأرقام غير مرادة لذاتها ، وإنما المراد الكثرة ؛ الشيء الكثير ، وبعضهم قال : لا السبعون ألفا مقصودة ، وإذا قلنا إنهم سبعون ألفًا فالإنسان يحرص أن يكون من هؤلاء ، يعني هو عدد قليل جداً مقارنةً بالناس . عدد الناس من بِعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة ، لأن هذه كلها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ـ قلنا أمة الاستجابة و أمة الدعوة كلها أمة محمد صلى الله عليه وسلم ـ فمن استجاب فهو من أمة الاستجابة و يمكن أن يكون من ال 70 ألفًا .

 

يعني الآن مثلا كم مسلم ؟ مليار ، مليار و شيء مسلم ، أين 70 ألف في هذا الوقت ؛ فكيف في الأوقات الماضية ، كيف في الأوقات القادمة ، جاء في مسند أحمد و حسنه بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : و مع كل ألف 70 ألف ، فزاد العدد لله الحمد والمنة .

 

 فعلى كل حال فهؤلاء السبعون ألفا هم من اتصفوا ، يعني لا يقل قائل مثلا أنا سأتصف بهذه الصفة لكن ممكن يكون العدد يعني امتلأ خلاص . انتهى لا يدخل أحد الآن ، لا غير صحيح أبدا ، كل من اتصف بهذه الصفة فإنه داخل معهم ، أي مع هؤلاء السبعين ألفا ؛ خاصة إذا قلنا إن هذا الرقم غير مراد لذاته ، وإنما المراد هو التكثير ، أنه عدد كثير .

 

قال : يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب ثم دخل منزله ، فالآن أثار عندهم أمرًا ، وهو أن هناك سبعين ألفا سيدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب ، فقال بعضهم من هؤلاء ؟ فقال بعضهم : هؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال بعضهم : المولود على الإسلام ، كل واحد يبدأ يعني يؤلف شيئا يتوقعه في هؤلاء السبعين ألفا .

 

 فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخبروه : أنت قلت سبعين ألفا ، الآن صرنا نتحدث من هؤلاء السبعون ألفا ، فقال صلى الله عليه وسلم : هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون .

 

 يعني من جمع هذه الصفات سواء كانت سلبية أو إيجابية فهم الذين يدخلون في ال 70 ألفا ، لا يسترقون أي لا يطلبون الرقية من أحد وإنما يرقي نفسه بنفسه ، ولا يكتوون : الكي بالنار ، أي لا يكتوون هذا الكي ، و لا يتطيرون : لا يتشاءمون . ثم أكد هذا بقوله : وعلى ربهم يتوكلون الصفة الإيجابية ، ثلاث صفات يعني سلبية ، وواحدة إيجابية .

 

 لا يسترقون لا يكتوون لا يتطيرون ، ثم قال وعلى ربهم يتوكلون ، وقد سألت شيخنا الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عن هذا الحديث : قلت طيب إذا كان إنسان ما يدري ؛ الآن علم وكان قد استرقى ، أو كان قد اكتوى ، أو كان قد تطير ، والآن علم بهذا الحديث ، الآن سيلتزم ، قال:  يدخل فيهم والعلم عند الله جل وعلا .

 

 طالما أنه لم يكن يعلم ، لكن من علم ثم اكتوى أو استرقى أو تطير هذا لا يعني أنه لا يدخل الجنة ، ولكن لا يكون من ال 70 ألفا ، وليس أهل الجنة فقط هؤلاء السبعون ألفا ، لا  ، ممكن أن يدخل الإنسان الجنة من غير هذا الباب ، أبواب الجنة عظيمة جدا .

 

 فبعض الناس يقول : آه أنا اكتويت بعد ما علمت بهذا الحديث إذن لن أكون من السبعين ، طيب وإن لم تكن من السبعين ؟ لكنك من أهل الجنة ، الجنة ليس فيها فقط هؤلاء ، وإنما ذكر سوادا عظيما ثم قال : منهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بلا حساب ولا عقاب .

 

 إذن هناك آخرون يدخلون الجنة وإن كان بحساب أو عذاب لكنهم يدخلون الجنة ، جعلنا الله وإياكم من أهل الجنة  ، قوله : لا يسترقون لا يطلبون الرقية ، لا يكتوون لا يستخدمون الكي بالنار ، لا يتطيرون لا يتشاءمون ، وعلى ربهم يتوكلون أي يعتمدون في أمورهم كلها على الله تبارك وتعالى .

 

 فقام عكاشة بن محصن رضي الله عنه فقال : ادعو الله أن يجعلني منهم ، فقال : أنت منهم . وهنا مسألة وهي : هل طلب الدعاء من الغير ينافي التوكل ؟ طبعاً هو لا ينافي التوكل قطعاً ، ولكن بعض أهل العلم رأى أنه ينافي كمال التوكل ، لا ينافي التوكل وإنما ينافي كمال التوكل ، فيرون أن من كمال التوكل ألا تطلب من أحد أي شيء حتى الدعاء ، ألا تطلب من أحد أن يدعو لك هذا من كمال التّوكل ، لكن لو طلبت من أحد أن يدعو لك لا بأس جائز بالإجماع .

 

 إنّه جائز لكن قالوا الأفضل ألا تطلب من أحد أن يدعو لك لأنه ينافي كمال التّوكل ، والظاهر والعلم عند الله أنه حتى لا ينافي كمال التّوكل ، نعم الأفضل ألا تطلب من أحد شيئا لكن لا ينافي كمال التّوكل ، لا ينافي التّوكل في أصله ولا ينافي كماله ، وإنما تركه أفضل .

 

ألا تطلب من أحد شيئاً ، ولو كان ينافي كمال التوكل لقاله النبي لعكاشة هنا ، لقال له : لا ، ما يصلح هذا ، أنا أقول لك : أنت تريد أن تكون من ال 70 ألفا الذين على ربهم يتوكلون ؛ أي كمال التوكل ، وتقول : ادعو الله لي ، ما يصلح أبداً أنت اعمل بنفسك .

 

 وإنما قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أنت منهم ، وفي رواية فدعا له صلى الله عليه وسلم ، وأما الحديث المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر : لا تنسانا من دعائك يا أخي ؛ لما أراد أن يسافر . هذا لا يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

 

فالنبي لم يطلب من أحد شيئا أن يدعو له أو غير ذلك ، على كل حال طلب الدعاء من الغير جائز ، و تركه أولى ، والعلم عند الله جل وعلا .

 

 نعم ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : سبقك بها عكاشة ، لبيان أن الأمر لم يفتحه النبي ، لأنه كل يوم يأتيه واحد أو أكثر يقول له : ادعو الله يجعلني منهم ، فأغلق الباب صلوات ربي وسلامه عليه .

 

 ولا يعني هذا أن الثاني الذي سأل النبي وقال له ادعو الله أن يجعلني منهم ، أنه ليس منهم ، ولكن قال : سبقك بها عكاشة حتى يغلق هذا الباب .

 

 نعم ، أحسن الله إليكم فيه مسائل : 

 

ـ الأولى معرفة مراتب الناس في التوحيد .

 

ـ الثانية ما معنى تحقيقه .

 

ـ الثالثة ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يكن من المشركين .

 

ـ الرابعة ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك .

 

 ـ الخامسة كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد .

 

ـ السادسة كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل .

 

ـ السابعة عمق علم الصحابة بمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل .

 

ـ الثامنة حرصهم على الخير .

 

ـ التاسعة فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية .

 

ـ العاشرة فضيلة أصحاب موسى .

 

ـ الحادية عشرة عرض الأمم عليه صلى الله عليه وسلم .

 

ـ الثانية عشرة أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها .

 

ـ الثالثة عشرة قلة من استجاب للأنبياء .

 

ـ الرابعة عشر أن من لم يجبه أحد يأتي وحده .

 

ـ الخامسة عشرة ثمرة هذا العلم وهو عدم الاغترار بالكثرة وعدم الزهد في القلة .

 

ـ السادسة عشرة الرخصة في الرقية من العين والحمة . 

 

ـ السابعة عشرة عمق علم السلف لقوله قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ولكن كذا وكذا ، فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني .

 

ـ الثامنة عشرة بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه .

 

ـ التاسعة عشرة قوله : أنت منهم علم من أعلام النبوة .

 

ـ العشرون فضيلة عكاشة .

 

ـ الحادية والعشرون استعمال المعاريض .

 

ـ الثانية والعشرون حسن خلقه صلى الله عليه وسلم .

 

يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :

 






إرسال تعليق

أحدث أقدم

نموذج الاتصال