شرح كتاب التوحيد : الدرس 10 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم قال المصنف رحمه الله تعالى : باب ما جاء في الذبح لغير الله ، وقول الله تعالى : قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له ، الآية . وقوله : فصل لربك وانحر .
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات : لعن الله من ذبح لغير الله ، لعن الله من لعن والديه ، لعن الله من آوى محدثا ، لعن الله من غير منار الأرض رواه مسلم .
باب ما جاء في الذبح لغير الله ، أي حكم ذلك ، والذبح لغير الله تبارك وتعالى إن كان تقرباً وتعظيماً للمذبوح له كما كان يفعل أهل الجاهلية وهو ما يسمى بالنصب ، حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذبِحَ عَلَى النُّصُبِ .
النُّصُب هي الأوثان التي كانوا يعبدونها من دون الله يأتون يذبحون لها تقربا لها ، وكل من ذبح لشيء غير الله تبارك وتعالى متقربا له فهذا شرك أكبر ، أما إذا ذبح لغير الله ولم يكن على سبيل التقرب مثل الذي أتاه ضيف أو شيء وهذا مباح ولم يتقرب إليهم بهذا الأمر وإنما ذبح لهم إكراما لهم ؛ فهذا مباح لا بأس به ، بل هذا من الإكرام .
سواء ذبح أو لم يذبح ، لكن القصد أنه لو ذبح لهم فإن هذا مشروع ، والذبح الأصل فيه إذا أراد الإنسان أن يتقرب به إلى الله تبارك وتعالى ففيه أوجه : منها قول الله تبارك وتعالى : فصل لربك وانحر ، أو إن صلاتي ونسكي : يعني ذبحي لله تبارك وتعالى يكون في وجوه : منها العقيقة ، منها الأضحية ، منها الهدي ، منها النذر ، ومنها الفدية ، هذه إذا ذبحها الإنسان فهو يتقرب إلى الله بهذا الذبح ما عدى الفدية ؛ هو أيضا تقرب إلى الله لأنه جبر لنقص ، ويتقرب إلى الله تبارك وتعالى بهذا الذبح .
وقول علي لهذا الحديث رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات : لعن الله من ذبح لغير الله ، وكونه ملعون فدل على أن هذا الفعل من كبائر الذنوب ، بل هو شرك في الله تبارك وتعالى ، قال : وَلَعَنَ اللَّه مَنْ لَعَنَ وَالِدَيْهِ ، لأن الوالدين لهما حقٌ عظيم على الإنسان . فكيف يصل به الجحود والعقوق إلى أن يلعنهما والعياذ بالله .
قال وَلَعَنَ اللَّه مَنْ آوَى مُحْدِثًا ، مُحْدِثًا أي مجرِمًا ، مَنْ آوَاهُ حتى لا يؤخذ منه الحق لغيره فهذا أيضا ملعون ، أما إذا آواه لأنه مظلوم فهذا بالعكس يؤجر على هذا ، لكن المقصود أنه محدث أنه يعني يستحق العقوبة فهذا منع منه العقوبة ، أواه : سواء آواه أخفاه أو آواه بقوته ، قال فلان عندي ولن يقرب منه أحد ، فهذا محاد لله تبارك وتعالى يمنع إقامة حدود الله تبارك وتعالى .
ولعن الله من غير منار الأرض ؛ وهو الذي يسرق أرض غيره يدخلها إلى أرضه ؛ كاثنين يكونان متجاورين فيأخذ أحدهما من أرض صاحبه ويدخلها في أرضه ، فهذا مغير لمنار الأرض أي لحدود الأرض .
نعم أحسن الله إليكم قال رحمه الله تعالى : وعن طارق بن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب ، قالوا : وكيف ذلك يا رسول الله ؟ قال مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا فقالوا لأحدهما قرب قال : ليس عندي شيء أقرب ، قالوا له قرب ولو ذبابا ، فقرب ذبابا فخلوا سبيله فدخل النار ، فقالوا للآخر قرب ، فقال : ما كنت لأقرب لأحد شيئاً دون الله عز وجل ، فضرب عنقه فدخل الجنة رواه أحمد .
هذا الحديث فيه إشكالان : إشكال في مبناه ، و إشكال في معناه ، أما في مبناه فهو يرويه طارق بن شهاب واختلف في صحبته هل هو صحابي أو لا ؟ والأقرب أنه ليس بصحابي ، لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ، فإن كان فهو من التابعين ، وقال البعض إنه صحابي ، ثم فيه عنعنة الأعمش سليمان بن مهران رحمه الله تعالى ؛ فالحديث لا يصح إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقيل إنه موقوف على سلمان الفارسي ، من كلام سلمان الفارسي والأظهر أنه إن صح عن سلمان فإنه أخذه من أهل الكتاب ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، فيكون موقوفا عليه أو من مرويات أهل الكتاب .
أما في مبناه فقوله : قرب ولو شيئا ؛ ظاهر الأمر أنه هدد والإنسان إذا هدد بهذا وقرب لهم خوف القتل لأنهم قتلوا صاحبه لما رفض أن يقرب شيئا فهذا مكره والمكره معذور إذا أكره على هذا الأمر ، إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ، وهذا معذور بهذا .
على كل حال الحديث لا يصح ، لكن الشاهد من هذا أنه لا يجوز للإنسان أن يقرب لغير الله تبارك وتعالى إلا إذا وصل إلى مرحلة الإكراه ، لأنه نقل عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يعذبون من قبل كفار قريش حتى يقال لأحدهم إذا مر الجعل الذي هو الخنفسانة ، إذا مر قال هذا ربك ؛ قال هذا ربي ولكن اتركوني .
إلى هذه الدرجة كانوا يعذبون ، فالقصد أن الإنسان إذا وصل إلى مرحلة الإكراه فإنه لا شيء عليه ، أما إذا كان دون ذلك فإنه لا يجوز له أن يطيع .
نعم أحسن الله إليكم فيه مسائل :
ـ الأولى تفسير قوله : قل إن صلاتي و نسكي .
ـ الثانية تفسير قوله : فصلّ لربك و انحر .
ـ الثالثة البداءة بلعنة من ذبح لغير الله .
ـ الرابعة لعن من لعن والديه ، ومنه أن تلعن والدي الرجل فيلعن والديك .
ـ الخامسة لعن من آوى محدثا وهو الرجل يحدث شيئا يجب فيه حق الله فيلتجأ إلى من يجيره من ذلك .
ـ السادسة لعن من غير منار الأرض وهي المراسيم التي تفرق بين حقك وحق جارك من الأرض ، فتغيّرها بتقديم أو تأخير .
ـ السابعة الفرق بين لعن المعين و لعن أهل المعاصي على سبيل العموم .
ـ الثامنة هذه القصة العظيمة وهي قصة الذباب .
ـ التاسعة كونه دخل النار بسبب ذلك الذباب الذي لم يقصده بل فعله تخلصا من شرهم .
ـ العاشرة معرفة قدر الشرك في قلوب المؤمنين كيف صبر ذلك على القتل ولم يوافقهم على طلبهم ، مع كونهم لم يطلبوا إلا العمل الظاهر .
ـ الحادية عشرة أن الذي دخل النار مسلم لأنه لو كان كافرا لم يقل دخل النار في ذباب .
ـ الثانية عشرة فيه شاهد للحديث الصحيح الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله ، والنار مثل ذلك .
ـ الثالثة عشرة معرفة أن عمل القلب هو المقصود الأعظم حتى عند عبدة الأصنام .
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة