شرح كتاب التوحيد : الدرس 39 / الشيخ عثمان الخميس
أحسن الله إليكم قال المصنف رحمه الله تعالى : باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} .
وقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} . وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} . وقوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} .
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". قال النووي: حديث صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح.
وقال الشعبي: "كان بين رجل من المنافقين ورجل من اليهود خصومة فقال اليهودي: نتحاكم إلى محمد - لأنه عرف أنه لا يأخذ الرشوة. وقال المنافق : نتحاكم إلى اليهود لعلمه أنهم يأخذون الرشوة. فاتفقا أن يأتيا كاهنا في جهينة فيتحاكما إليه، فنَزلت: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} " الآية.
وقيل: "نزلت في رجلين اختصما، فقال أحدهما: نترافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الآخر: إلى كعب بن الأشرف. ثم ترافعا إلى عمر. فذكر له أحدهما القصة. فقال للذي لم يرض برسول الله صلى الله عليه وسلم: أكذلك؟ قال: نعم. فضربه بالسيف فقتله".
باب قول الله تعالى : {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ ، فالتحاكم لا يجوز إلا لله سبحانه و تعالى ، و إذا دعاك أحد إلى التحاكم إلى الله تبارك و تعالى و إلى كتابه و إلى سنة النبي صلى الله عليه و سلم فلا يجوز لك أن ترفض ذلك ، بل عليك أن تقبل أن تتحاكم إلى الله تبارك و تعالى و إلى رسوله صلى الله عليه و سلم .
و التحاكم إلى الله تحاكم إلى كتابه ، و التحاكم إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم في حياته عنده ، و بعد وفاته صلوات ربي و سلامه عليه إلى سنته صلى الله عليه و سلم .
و هؤلاء الذين يتحاكمون إلى غير كتاب الله و إلى غير سنة نبيه صلى الله عليه و سلم إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض ، قالوا إنما نحن مصلحون ، يدعون أنهم مصلحون بهذا التوجه ، واختيارهم حكم الجاهلية كما قال الله تبارك و تعالى : أفحكم الجاهلية يبغون و من أحسن من الله حكما لقوم يقنون .
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به". وهذا الحديث كما قال الإمام النووي رحمه الله تعالى أنه رويه أي أخذه من كتاب الحجة في بيان المحجة للأصبهاني رحمه الله تعالى ، و هذا الحديث كإسناد لا يصح .
و ذكر المؤلف رحمه الله تبارك و تعالى الشيخ محمد بن عبد الوهاب لبعض الأحاديث التي فيها ضعف في هذا الكتاب لا يعيبه و ذلك أن حجته دائرة غالبا في هذا الكتاب على كتاب الله تبارك و تعالى .
و المسائل التي ذكرها جميعا متفق عليها بين أهل السنة و الجماعة و تدل عليها الآيات الكريمة و لكنه أحب أن لا يخلي كتابه من ذكر أدلة من السنة ، فإذا لم يجد حديثا صحيحا صريحا في هذا الباب ؛ أخذ بحديث صحيح و إن كان يشير إشارة إلى المسألة ، فإن لم يجد أخذ حديثا فيه ضعف و لكن لا يكون ضعفه شديدا ، و لا يكون موضوعا فيذكره من باب الاستئناس به ، فهذا لا يعيبه ، و هذا ما جرى عليه عمل أهل العلم رحمهم الله تبارك و تعالى .
فالبعض قد يقول مررنا بأحاديث قد تكون ضعيفة لا بأس بهذا ، هذا من باب روايتها و لكن الاحتجاج في الأصل بآيات الكتاب أو الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها سواء في البخاري أو مسلم و كان يحرص عليها الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى .
ولكنه إذا لم يجد يأتي بحديث ولو كان فيه شيء من الضعف ، و يأتي بأقوال بعض السلف من الصحابة أو التابعين أو أتباع التابعين رحم الله الجميع .
و هذا الحديث لا يثبت وهو حديث : لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به . و إن كان مشهورا ، و إن كان معناه صحيحا ، لا بد أن هوى الإنسان يتبع الكتاب و السنة ، لكن كحديث ينسب إلى النبي صلى الله عليه و سلم بحيث نقول إن النبي صلى الله عليه و سلم قال ذلك فهذا لم يثبت عن النبي صلوات ربي وسلامه عليه .
ومداره على نعيم بن حماد و مر بنا الكلام في نعيم بن حماد رحمه الله تعالى . و القصة التي ذكرها أو القصتين التي ذكرهما : الأولى من كلام الشعبي رحمه الله تعالى ، و الشعبي لم يدرك النبي صلى الله عليه و سلم فهو من التابعين من أواسط التابعين ، فهو لم يدرك هذه الحادثة في الخصام بين اليهودي و المنافق و تحاكمهما إلى النبي صلى الله عليه و سلم أو إلى اليهود .
و كذلك القصة التي بعدها و هي قصة عمر أو قصة اللذين تحاكما إلى عمر رضي الله عنه فقتل أحدهما ، أيضا هذه القصة لا تثبت و أيضا عمر لا يفعل ذلك رضي الله عنه ، بمجرد أن قال لا يتحاكم إلى النبي صلى الله عليه و سلم أنه يضرب عنقه بهذه الطريقة ، و كانوا في ذلك الوقت يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم و هذا كثير كما قال خالد و كما قال عمر : دعني أضرب رأس هذا المنافق ، ما كانوا ليفتئتوا على الرسول صلى الله عليه و سلم و يقوموا بقتل الناس بهذه الطريقة ، و القصة كما قلت غير ثابتة و هي من رواية محمد بن السائب الكلبي و هو متهم بالكذب .
أحسن الله إليكم فيه مسائل:
ـ الأولى : تفسير آية النساء، وما فيها من الإعانة على فهم الطاغوت.
ـ الثانية : تفسير آية البقرة: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ} الآية.
ـ الثالثة : تفسير آية الأعراف: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} .
ـ الرابعة : تفسير {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} .
ـ الخامسة : ما قال الشعبي في سبب نزول الآية الأولى.
ـ السادسة : تفسير الإيمان الصادق والكاذب.
ـ السابعة : قصة عمر مع المنافق.
ـ الثامنة : كون الإيمان لا يحصل لأحد حتى يكون هواه تبعا لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
يمكنك الاستماع إلى هذا الدرس عبر الفيديو التالي :
التسميات
دروس العقيدة